كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 7)

قلت: أما شعبة فكان أحفظ للأسانيد، فتُقدم زيادته في الإسناد، حيث زاد على التيمي: مسروقًا بين أبي وائل وعائشة، فهي زيادة من ثقة حافظ متقن، فتقبل، وقد تابع فيها رواية عاصم.
وأما المتن: فقد اختصره شعبة، وساقه التيمي سياقة حسنة تدل على حفظه له، وعنايته به، وضبطه له، وقد تابع فيه عاصمًا بمعناه، وسليمان بن طرخان التيمي: ثقة حافظ، أحد حفاظ البصرة، وقد فصل وبيَّن ما أجمله شعبة واختصره من متن الحديث، وإذا أمعنت النظر في رواية بدل بن المحبر وبكر بن عيسى عن شعبة، ورواية التيمي لم تجد اختلافًا، لكن رواية شبابة تدل على وهمه في هذا السياق الذي انفرد به، وبهذا يظهر وجه إعلال الإمام أحمد لحديث شبابة، والله أعلم.
وعلى هذا: فالمحفوظ من الإسناد: ما رواه شعبة عن نعيم، وتابع عليه عاصمًا.
والمحفوظ من المتن: ما رواه عاصم، وتابعه على معناه نعيم من رواية التيمي عنه.
وإسناده من لدن شقيق: صحيح على شرط الشيخين.
لكن يبقى أن في خبر مسروق هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بين نُوبة وبريرة، وفي خبر عبيد الله [في الصحيحين]: خرج بين العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، فذهب بعضهم إلى أنهما واقعتان [مثل: ابن حبان (٥/ ٤٨٨ و ٤٩٥)، وابن رجب (٤/ ٨٤)، وابن حجر (٨/ ١٤١)]، وذهب النووي إلى الجمع بينهما، بأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من البيت إلى المسجد بين نوبة وبريرة، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي [فتح الباري لابن حجر (٢/ ١٥٤)]، قلت: هذا جمع تحتمله الرواية، وإلا فالأقرب عندي صحة ما اتفق عليه الشيخان من حديث الزهري وموسى بن أبي عائشة، كلاهما عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، بأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بين العباس وعلي [البخاري (١٩٨ و ٦٦٥ و ٢٥٨٨ و ٤٤٤٢ و ٥٧١٤)، مسلم (٤١٨/ ٩١)، مع الطريق المتقدم برقم (١)].
قال الترمذي بعد حديث شبابة: "حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب، وقد رُوي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا"، ورُوي عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه، وأبو بكر يصلي بالناس، فصلى إلى جنب أبي بكر، والناس يأْتمُّون بأبي بكر، وأبو بكر يأتمُّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ورُوي عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر قاعدًا، ورُوي عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر وهو قاعدًا.
وكذا هو في مخطوطة الكروخي (٣١/ أ)، وفي مستخرج الطوسي: "هذا حديث غريب" فقط. قلت: وهو أقرب لمسلك الترمذي في أحكامه.
وقال ابن حبان بعد حديث شبابة: "خالف نعيم بن أبي هند عاصم بن أبي النجود في متن هذا الخبر، فجعل عاصم أبا بكر مأمومًا، وجعل نعيم بن أبي هند أبا بكر إمامًا، وهما ثقتان حافظان متقنان، فكيف يجوز أن يُجعل خبر أحدهما ناسخًا لأمر متقدم، وقد عارضه في الظاهر مثله؟ ونحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه: إن هذه الأخبار كلها صحاح، وليس شيء

الصفحة 36