كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 7)

يدفعه ويرده من موقفه؛ لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه، ولهذا أمر بالقرب من سترته، وإنما يرده إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتسبيح، قال: وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يرده؛ لئلا يصير مرورًا ثانيًا؛ إلا شيئًا روي عن بعض السلف أنه يرده، وتأوله بعضهم، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى، وهو كلام نفيس، والذي قاله أصحابنا أنه يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه؛ فإن أبى فبأشدها، وإن أدى إلى قتله فلا شيء عليه؛ كالصائل عليه لأخذ نفسه أو ماله، وقد أباح له الشرع مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها" [وانظر: إكمال المعلم (٢/ ٤١٩)].
وفي الضمان وعدمه قال ابن بطال: "فإن دافعه فمات؛ فاختلف فيه: فقال ابن شعبان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: الدية على عاقلته، وقيل: هو هَدَر على حسب ثَنِيَّةِ العاضّ له؛ لأنه فِعْلٌ تولَّد من فِعْلٍ أصلُه مباح" [شرح البخاري (٢/ ١٣٧)، وانظر: الاستذكار (٢/ ٢٧٤)].
• وأنهى ابن رجب بحثه في مسائل الحديث بقوله: "وبكل حال؛ فيُستدل به على تحريم المرور بين المصلي وسترته؛ لأنه جعله من عمل الشياطين، وأمر بالعقوبة عليه، وذلك من أدلة التحريم" [الفتح (٢/ ٦٧٦)].
• وقوله: "فإنما هو شيطان": فمنهم من حمله على ظاهره، وأنه بفعله أصبح شيطانًا من شياطين الإنس، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: ١١٢]، وقد يحتج بعضهم فيه بقول أبي سعيد: "إنما ضربتُ الشيطان"، ومنهم من نظر إلى معناه، قال ابن بطال: "يريد أنه فَعَل فِعْلَ الشيطان في أنه شغل قلب المصلي عن مناجاة ربه والإخلاص له، كما يخطِر الشيطان بين المرء ونفسه في الصلاة، فيذكره ما لم يذكر ليشغله عن مناجاة ربه، ويخلط عليه صلاته، وفيه: أنه يجوز أن يقال للرجل إذا فتن في الدين: شيطان، ولا عقوبة على من قال له ذلك، وفيه: أن الحكم للمعاني لا للأسماء، بخلاف ما يذهب إليه أهل الظاهر في نفيهم القياس؛ لأنه يستحيل أن يصير المار بين يدي المصلي شيطانًا لمروره، فثبت أن الحكم للمعاني لا للأسماء، وهو قول جمهور الأمة" [شرح البخاري (٢/ ١٣٧)].
وقال الخطابي: "معنى هذا الكلام: أن الشيطان هو الذي يحمله على ذلك، ويحركه عليه، ومعنى المقاتلة هاهنا الدفع العنيف، وقد يجوز أيضًا أن يكون أراد بالشيطانِ المارَّ بين يديه نفسه؛ ذلك أن الشيطان هو المارد الخبيث من الجن والإنس" [أعلام الحديث (١/ ٤٢٠)].
وقال ابن حجر في الفتح (١/ ٥٨٤): "ويحتمل أن يكون المعنى: فإنما الحامل له على ذلك الشيطان، وقد وقع في رواية الإسماعيلي: "فإن معه الشيطان"، ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ: "فإن معه القرين".

الصفحة 594