كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)
أصحاب الرأي، وغيرهم، وهو قول جملة أهل العلم؛ إلا الشافعي، فإنه كان يوجب على المصلي إذا ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاةٍ الإعادة، وكان إسحاق يقول: إذا فرغ من التشهد إمامًا أو مأمومًا صلى على النبي، لا يجزيه غير ذلك، ثم قال: إن ترك ذلك ناسيًا رجونا أن يجزيه"، قال أبو بكر بن المنذر: "ولو كان ذلك فرضًا عنده كالركوع والسجود، وقراءة فاتحة الكتاب، لأوجب عليه الإعادة على كل حال، وقوله: رجونا أن يجزيه، إما أن يكون رجوعًا منه عن القول الأول، أو اختلافًا من القول، وقد ذكرت الحديث الذي اعتل به الشافعي، وأن الذي رواه ليس ممن يجوز الاحتجاج بحديثه، في غير هذا الكتاب"؛ [يعني: ابن أبي يحيى الأسلمي].
واحتج أيضًا الطحاوي بحديث ابن مسعود في التشهد، فقال في شرح المشكل (٦/ ١٧): "وفي ذلك ما ينفي قولَ من قال: إنه لا بد له من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان في حديث فضالة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وقوفه على أن المصلي المذكور فيه لم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته لم يأمره بالعود لها؛ لأن ذلك لو كان لا تجزئه معه صلاته لأمره بالعود لها، كما أمر في حديث رفاعة وأبي هريرة وابن عمر المصليَ الصلاةَ الناقصةَ بالعود لها"، ثم أطال في الرد على من احتج بالآية.
وقال الخطابي في المعالم (١/ ١٩٦): "وفي قوله عند الفراغ من التشهد: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه": دليل على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست بواجبةٍ في الصلاة، ولو كانت واجبةً لم يخلِ مكانها منها، ويخيره بين ما شاء من الأذكار والأدعية، فلما وكل الأمر في ذلك إلى ما يعجبه منها بطل التعيين، وعلى هذا قول جماعة الفقهاء؛ إلا الشافعي، فإنه قال: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير واجبة، فإن لم يصل عليه بطلت صلاته، وقد قال إسحاق بن راهويه نحوًا من ذلك أيضًا، ولا أعلم للشافعي في هذا قدوة، وأصحابه يحتجون في ذلك بحديث كعب بن عجرة".
وقال ابن بطال في شرح البخاري (٢/ ٤٤٧)، والقاضي عياض في الشفا (٢/ ٥٢): "وقال الطبري، والطحاوي: أجمع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد غير واجبة، وشذ الشافعي في ذلك، فقال: من لم يصلِّ على النبي في التشهد الأخير وقبل السلام فصلاته فاسدة".
وقال ابن حزم في المحلى (٤/ ١٣٥): "وإن اقتصر المصلي على بعض ما في هذه الأخبار أجزأه، وإن لم يفعل أصلًا كرهنا ذلك، وصلاته تامةٌ؛ إلا أن فرضًا عليه ولا بد أن يقول ما في خبر من هذه الأخبار، ولو مرَّةً واحدةً في دهره، لأمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يقال ذلك، ولقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)}، ... ، ومن قال إن تكرار ما أمِرَ به يلزم كان كلامه باطلًا، ... ".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٦/ ١٩١): "وروي عن مالك وأبي حنيفة والثوري
الصفحة 405
512