كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)
والأوزاعي؛ أنهم قالوا: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد جائز، ويستحبونها، وتاركها مسيء عندهم، ولا يوجبونها فيه".
وقال أيضًا (١٦/ ١٩٥): "ليس ما احتجوا به عندي بلازم؛ لما فيه من الاعتراض، ولست أوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فرضًا من فروض الصلاة، ولكني لا أحب لأحد تركها في كل صلاة، فإن ذلك من تمام الصلاة، وأحرى أن يجاب للمصلي دعاؤه إن شاء الله".
وقال في الاستذكار (٢/ ٣٢٢): "الأصل أن الفرائض لا تثبت إلا بدليل لا معارض له، أو بإجماع لا مخالف فيه، وذلك معدوم من هذه المسألة؛ إلا أني رأيت الفقهاء وأصحابهم إذا قام لأحدهم دليلًا من كتاب أو سُنَّة أوجبوا به، واستقصوا في موضع الخلاف، وحجة أصحاب الشافعي فيها ضعيف، ولست أوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضًا في كل صلاة، ولكن لا أحب لأحد تركها، وبالله التوفيق".
وقال الإسنوي في التمهيد (١/ ٢٧٣): "الأمر بعد الاستئذان كالأمر بعد التحريم، .....
والأمر بماهية مخصوصة بعد سؤال تعليمه شبيه في المعنى بالأمر بعد الاستئذان، مثاله: قول أبي مسعود [كذا قال، وإنما السائل: بشير بن سعد]: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"، وحينئذ فلا يستقيم ما قاله الأصحاب من الاستدلال بمجرد هذا الأمر على وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، نعم إن ثبت إيجابه من خارج فيكون هذا الأمر للوجوب؛ لأنه بيان لكيفية واجب".
• ومن الحجج أيضًا على عدم الوجوب:
قول عبد الله بن مسعود بعد أن ذكر التشهد: فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإذا شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد. وفي رواية: فإذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبُت، وإن شئت فانصرف.
قلت: وهذا صريح في عدم إيجاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد، وهو ثابت عن ابن مسعود قوله، تقدم تخريجه مفصلًا تحت الحديث رقم (٦١٧)، وبرقم (٩٧٠).
• وهذا لا يتعارض مع أثره الصحيح الذي احتجوا به على الوجوب، بل هو مفسر له؛ فقد روى أبو الأحوص سلام بن سليم، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، قالا: قال عبد الله: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو لنفسه.
أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٢٦٤/ ٣٠٢٦)، والحاكم (١/ ٢٦٨)، والبيهقي (٢/ ١٥٣).
فإذا جمعنا بين الأثرين، دل على مراد ابن مسعود من ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأثر الثاني، وأنه ليس على الفرضية عنده، بدليل اقترانه بالدعاء لنفسه، فهلا قالوا بوجوب الدعاء لنفسه قبل السلام، وأن من ترك الدعاء لنفسه بعد فراغه من التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فصلاته باطلة!!! فالعجب بعد ذلك أن تجد ابن حجر يقول في الفتح (١١/ ١٦٤): "وهذا أقوى شيء يحتج به للشافعي".
الصفحة 406
512