كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)
وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ١٨٧) بعد هذا الحديث: "وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه؛ إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره".
وقال نحو ذلك أيضًا في موضعين آخرين من الفتح (٥/ ٦٠) و (٦/ ١٤).
وقال في شرح العلل (١/ ٥٤٤): "قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: هو منقطع، وهو حديث ثبت.
قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند؛ يعني: في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر".
قلت: وقال النسائي أيضًا في حديثٍ يرويه أبو عبيدة عن أبيه: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، والحديث جيد".
وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، وكان ابن سبع سنين يوم مات أبوه [جامع الترمذي (١٧ و ١٧٩ و ٣٦٦ و ٦٢٢ و ١٠٦١ و ١٧١٤ و ٣٠٨٤)، سنن النسائي (٣/ ١٠٤/ ١٤٠٤)، شرح المعاني (١/ ٩٥)، معرفة الثقات (١٧٥٣)، المعرفة والتاريخ (٢/ ١٤٨ و ١٤٩ و ٥٥١)، المراسيل (٢٥٦)، تحفة التحصيل (١٦٥)، التهذيب (٢/ ٢٦٨)]، وقال الدارقطني لما سئل: سماع أبي عبيدة عن أبيه صحيح؟ قال: "يُختلف فيه، والصحيح عندي أنه لم يسمع منه، ولكنه كان صغيرًا بين يديه". [العلل (٥/ ٣٠٨/ ٩٠٣)، البدر المنير (٦/ ٥٩٤)].
وقال الدارقطني في السنن (٣/ ١٧٢ و ١٧٣) في حديثٍ لأبي عبيدة عن أبيه: "وهذا إسناد حسن، ورواته ثقات"، ثم رواه من حديث خشف بن مالك عن ابن مسعود، ثم قال: "هذا حديث ضعيف، غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة، أحدها: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه، ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه، ... ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلقٍّ لآثاره من أكابر أصحاب أبيه، ... ، ولم يكن في أصحاب عبد الله من يُتَّهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل أنه لم يسمع من أبيه" [مجموع الفتاوى (٦/ ٤٠٤)].
فتحصل من مجموع هذه النقول وغيرها: احتجاج الأئمة بحديث أبي عبيدة عن أبيه، مع تصريحهم بأنه لم يسمع منه، وذلك لكونه أخذ هذه الأحاديث عن كبار أصحاب ابن مسعود، وأهل بيته، وليس فيهم مجروح، وأنه لم يرو فيها منكرًا.
وراجع في احتجاج الأئمة بحديث أبي عبيدة عن أبيه ما تقدم ذكره برقم (٧٥٤ و ٨٧٧)، والله أعلم.
الصفحة 444
512