كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)

عبد الرحمن المخرمي، وقد تقدمت قصته في حديث سعد بن أبي وقاص قريبًا فليراجع.
وأما محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام المشهور، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه (٢/ ٢٢٢/ ٣١٤٣) عن معمر عنه أنه كان يسلم واحدة، ولم أجد عنه إنكار التسليمتين.
قلت: وأما ردُّ ما ثبت عن ابن عمر مرفوعًا في التسليمتين [من حديث واسع بن حبان عنه] بما ثبت عنه أنه كان يسلم واحدة [كما سيأتي ذكره في التسليمة الواحدة]، فليس هو وجه التعليل لهذا الحديث، وذلك أنه قد نقل عن الصحابة فعل هذا وهذا، ولم ينكر بعضهم على بعض، مما يدل على كون ذلك كان جائزًا عندهم، كما سيأتي بيانه في آخر البحث.
لكن الاحتمال الأقوى عندي في رد حديث بقية هذا وإنكاره:
إنما هو من قِبَل بقية نفسه، أو من قبل شيخه الزبيدي؛ وذلك لأن الأئمة اتفقوا على إنكار هذا الحديث على بقية، ولما كان هو المتفرد به؛ كان هو علته، فهذا وجه العلة على سبيل الإجمال، وأما تعيين موضع العلة في الحديث:
• فإما أن يقال: بأن بقية دلسه عن بعض الضعفاء والمجهولين، ولم يسمعه من محمد بن الوليد الزبيدي الثقة الثبت، وأحد أثبت أصحاب الزهري، وإلى هذا يشير كلام أحمد -فيما نقله عنه أبو داود-، حيث رد على أبي داود قوله بأنهم لا ينكرون سماع بقية لهذا الحديث من الزبيدي، فقال أحمد: "هذا أبطل باطل"، مؤكدًا عدم سماع بقية؛ مما يعني: أنه دلسه عن بعض الضعفاء والمجهولين، وبقية مشهور بالرواية عن محمد بن الوليد الزبيدي، مكثر عنه، وقد سمع منه، لكنه أحيانًا يروي عنه بواسطة الثقات، وأحيانًا بواسطة الضعفاء والمجهولين عن الزبيدي.
قال أبو أحمد الحاكم: "ربما روى عن أقوام مثل الأوزاعي والزبيدي وعبيد الله العمري أحاديث شبيهة بالموضوعة، أخذها عن محمد بن عبد الرحمن ويوسف بن السفر وغيرهما من الضعفاء، ويسقطهم من الوسط، ويرويها عمن حدثوه بها عنهم"، وقال نحوه ابن حبان في تدليسه عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك [التهذيب (١/ ٢٤٠)، الميزان (١/ ٣٣١)].
• أو يقال: بأن بقية كان يدلس تدليس الشيوخ، حيث أوهم أن شيخه في هذا الحديث هو محمد بن الوليد الزبيدي الثقة الثبت المشهور؛ وإنما هو غيره.
قال ابن حبان في المجروحين (١/ ٩١) (١/ ٨٥ - ط. الصميعي): "والجنس الثاني: أقوام ثقات كانوا يروون عن أقوام ضعفاء كذابين، ويكنونهم حتى لا يُعرفوا، فربما أشبه كنية كذاب كنية ثقة، فيتوهم المتوهم أن راوي هذا الخبر ثقة يتحملون عليه، وليس ذلك الحديث من حديثه، ومن أعملهم بمثل هذا من هذه الأمة: ...
فذكر جماعة منهم: بقية إذا قال: حدثنا الزبيدي عن نافع، فيتوهمون أنه أراد به محمد بن الوليد الزبيدي، وإنما أراد زرعة بن عمرو الزبيدي، وما يشبه هذا.

الصفحة 474