كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)

بكلا النوعين من التدليس، أعني: أنه قد دلس هذا الحديث عن محمد بن الوليد الزبيدي، ولم يسمعه منه، بل سمعه من أحد المجروحين أو المجهولين، فيقال: ولماذا جزمت بأن بقية لم يدلس هنا تدليس الشيوخ؟
فأقول وبالله التوفيق:
روى ابن الأعرابي في المعجم (٢/ ٨٧٢/ ١٨١٧)، قال: نا عباس [هو: ابن محمد بن حاتم الدوري: ثقة حافظ]: نا أبو خيثمة زهير بن حرب [ثقة ثبت حافظ]، نا يحيى بن معين [ثقة حافظ، إمام الجرح والتعديل]، عن يزيد بن عبد ربه الجرجسي [ثقة، من أثبت الناس في بقية]، عن بقية بن الوليد، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم تسليمة.
قال عباس: حدثنا به يحيى بن معين، هكذا.
وهكذا رواه أيضًا ابن عدي في كامله (٢/ ٧٨) (٢/ ٢٥١ - ط. الرسالة)، من طريق عباس الدوري به إلا أنه لم يذكر اسم الزبيدي، وقال في آخره: "قال عباس: ثم حدثناه يحيى بن معين عن الجرجسي، والجرجسي رواه عنه يحيى بن معين عن بقية؛ لأنه لم يلحق بقية".
إلا أن شيخ ابن عدي فيه: علي بن إبراهيم بن الهيثم أبو الحسن البلدي؛ روى له الخطيب البغدادي في ترجمته من التاريخ (١١/ ٣٣٧) حديثًا واحدًا، ثم قال: "هذا الحديث منكر جدًّا، ورجال إسناده كلهم مشهورون بالثقة؛ سوى أبي الحسن البلدي"، وقال السمعاني في الأنساب (١/ ٣٩٠): "وكان يتهم بوضع الحديث"، ولذا قال الذهبي في الميزان (٣/ ١١١): "اتهمه الخطيب"، وتبع في ذلك ابن الجوزي في الضعفاء (٢/ ١٩٠)، وعلق ابن حجر في اللسان (٥/ ٤٧٨) على حديثه هذا بقوله: "هو موضوع بلا ريب".
قلت: لكن يشكل على ذلك أن ابن حبان أخرج له في صحيحه في موضعين (٤٧٠٠ و ٥٩٠٧)، وأكثر عنه ابن عدي في كامله، ولم يتكلم عنه بشيء، مما يدل على أنه مقبول الرواية عندهما، والله أعلم.
والحاصل: فإن العمدة على رواية ابن الأعرابي، وعليه: فأقول:
هكذا وصل إلينا بإسناد في غاية الصحة، رجاله أئمة هذا الشأن، إلى يزيد بن عبد ربه، وهو من أثبت الناس في بقية، فصرح في إسناده بأنه محمد بن الوليد الزبيدي الثقة المشهور، وظاهر كلام الأئمة في إعلال هذا الحديث يدل على أن الزبيدي المذكور في الإسناد هو محمد بن الوليد، لا سيما كلام الإمام أحمد، إلا أن بقية لم يذكر فيه سماعًا من الزبيدي، وهذا يقودنا إلى علة أخرى:
وهي تفرد بقية بهذا الحديث عن الزبيدي، ولهذا أنكره الأئمة، ثم تفرد الزبيدي به عن الزهري، فلماذا لم يشتهر عن الزهري؟ هذا مع كون الزبيدي من أثبت الناس في الزهري، ولا يضره تفرده، لكن لا بد أن يكون ثابتًا عن الزبيدي، والله أعلم.

الصفحة 476