كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)

حديث زهير لاحتمل أن تكون التسليمتين أولى؛ لأن الذين رووه أكثر عددًا، وأشبه بأن يكونوا حفظوا ما أغفله الآخرون؛ لأنهم زائدون، والزائد أولى".
قال أبو بكر بن المنذر: "وكل من أحفظ عنه من أهل العلم يجيز صلاة من اقتصر على تسليمة، وأحب أن يسلم تسليمتين؛ للأخبار الدالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجزيه أن يسلم تسليمة".
وقال في الإجماع (٤٥): "وأجمعوا على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٦/ ١٩٠) بعد تصحيحه لأحاديث التسليمتين، وتضعيفه لأحاديث التسليمة الواحدة، قال: "والقول عندي في التسليمة الواحدة وفي التسليمتين: أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهو ولا الغلط في مثل ذلك، معموز به عملًا مستفيضًا بالحجاز التسليمة الواحدة، وبالعراق التسليمتان، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل؛ لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك، ومثله لا ينسى ولا مدخل فيه للوهم؛ لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات، فصح أن ذلك من المباح والسعة والتخيير؛ كالأذان، وكالوضوء ثلاثًا واثنين وواحدة، ... ، فسبق إلى أهل المدينة من ذلك التسليمة الواحدة فتوارثوها وغلبت عليهم، وسبق إلى أهل العراق وما وراءها التسليمتان فجروا عليها، وكل جائز حسن لا يجوز أن يكون إلا توقيفًا ممن يجب التسليم له في شرع الدين، وبالله التوفيق".
وقال في الاستذكار (١/ ٤٩١): "والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة، وهو عمل قد توارثه أهل المدينة كابرًا عن كابر، ومثله يصح فيه الاحتجاج بالعمل في كل بلد؛ لأنه لا يخفى، لوقوعه في كل يوم مرارًا، وكذلك العمل بالكوفة وغيرها مستفيض عندهم بالتسليمتين متوارث عندهم أيضًا، وكل ما جرى هذا المجرى فهو اختلاف في المباح كالأذان، ولذلك لا يروى عن عالم بالحجاز ولا بالعراق ولا بالشام ولا بمصر إنكار التسليمة الواحدة، ولا إنكار التسليمتين، بل ذلك عندهم معروف، وإن كان اختيار بعضهم فيه التسليمة الواحدة وبعضهم التسليمتين على حسب ما غلب على البلد من عمل أهله، إلا أن الأعم والأكثر بالمدينة التسليمة الواحدة، والأكثر والأشهر بالعراق التسليمتان: السلام عليكم ورحمة الله على اليمين، السلام عليكم ورحمة الله على اليسار".
وتعقبه ابن القيم في الإعلام (٢/ ٣٨٠) بقوله: "وهذا أصل قد نازعهم فيه الجمهور، وقالوا: عمل أهل المدينة كعمل غيرهم من أهل الأمصار، ولا فرق بين عملهم وعمل أهل الحجاز والعراق والشام، فمن كانت السنة معهم فهم أهل العمل المُتَّبَع، وإذا اختلف علماء المسلمين لم يكن عملُ بعضهم حجةً على بعض، وإنما الحجة اتباع السُّنَّة"، ثم أطال في بيان ذلك.
وقال أيضًا في الزاد (١/ ٢٦١): "والسنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تُدفع ولا تُردُّ

الصفحة 496