كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)

بعمل أهل بلدٍ كائنًا من كان، وقد أحدث الأمراء بالمدينة وغيرها في الصلاة أمورًا استمر عليها العمل، ولم يُلتفت إلى استمراره، وعمل أهل المدينة الذي يحتج به ما كان في زمن الخلفاء الراشدين، وأما عملهم بعد موتهم وبعد انقراض عصر من كان بها من الصحابة فلا فرق بينهم وبين عمل غيرهم، والسُّنَّة تحكم بين الناس؛ لا عمل أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، بالله التوفيق".
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٣/ ٢٠٧): "عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أنه يسلم تسليمتين، إحداهما عن يمينه، والأخرى عن شماله، وذهب قوم إلى أنه يسلم تسليمة واحدة، روي ذلك عن سعيد بن جبير، لما روي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئًا، وفي إسناده مقال، وأصح الروايات تسليمتين".
وقال ابن قدامة في المغني (١/ ٣٢٤): "وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين؛ إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه، ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب دون الإيجاب، كما ذهب إلى ذلك غيره، وقد دل عليه قوله في رواية مهنا: أعجب إليَّ التسليمتان".
وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ٢١١): "وأكثر أهل العلم على التسليمتين، وممن روي عنه ذلك من الصحابة: أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعمار وسهل بن سعد ونافع بن عبد الحارث، وروي عن عطاء والشعبي وعلقمة ومسروق وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن ميمون وأبي وائل وأبي عبد الرحمن السلمي، وهو قول النخعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور، وحكي عن الأوزاعي.
وروي التسليمة الواحدة عن ابن عمر وأنس وعائشة وسلمة بن الأكوع، وروي عن عثمان وعلي أيضًا، وعن الحسن وابن سيرين، وعطاء أيضًا، وعمر بن عبد العزيز والزهري، وهو قول مالك والأوزاعي والليث، وهو قول قديم للشافعي، وحكاه أحمد عن أهل المدينة، ... ".
• قلت: والذي يظهر لي: وجوب التسليمة الأولى دون الثانية؛ فإن حديث علي: "وتحليلها التسليم" [تقدم برقم (٦١)، وهو حديث صحيح] لا يتناول الثانية نصًّا، فإن مطلق التسليم يصدق على الأولى وحدها، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وتحريمها التكبير"، وإنما هي تكبيرة واحدة.
وكذلك ما جاء من ذكر مطلق التسليم من الصلاة في أحاديث كثيرة جدًّا؛ في الصحيحين وغيرهما، بمعنى أنه فرغ من الصلاة وخرج منها؛ فإنه يصدق عليه تسليمة واحدة، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري على حديث أم سلمة رقم (٨٣٧)، في باب التسليم: "وقال الأصيلي: حديث أم سلمة المذكور في هذا الباب يقتضي تسليمة واحدة، وكذلك حديث ابن بحينة، وحديث ذي اليدين؛ لأن قول أم سلمة: كان

الصفحة 497