كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 10)

الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم، يقتضى ظاهره أن كل ما وقع عليه اسم السلام يتحلل به من الصلاة، قال المهلب: لما كان السلام تحليلًا من الصلاة، وعلمًا على فراغها دلت التسليمة الواحدة على ذلك، وإن كان في التسليمتين كمالًا".
وإن كان ابن رجب قد ذهب في شرح الحديث إلى خلاف ذلك؛ لأن لفظ حديث أم سلمة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، قال ابن رجب في الفتح (٥/ ٢٠٤): "فإن هذا الكلام يشعر بأنه كان يسلم تسليمتين، فإذا قضاهما قام النساء، فإنه لا يقال: قضى ذلك؛ بمعنى الفراغ منه إلا فيما له أجزاء متعددة تنقضي شيئًا فشيئًا ... ".
• قلت: فإن قيل في حديث عليٍّ وغيره: هذا قول مجمل يبينه فعله - صلى الله عليه وسلم -، والفعلُ المبيِّن له حكم القول المبيَّن، وقد داوم - صلى الله عليه وسلم - على التسليمتين، ولم يصح عنه حديث في التسليمة الواحدة، وما لم تذكره هنا، فمؤول؛ يعني: حديث عائشة: ويسلم تسليمة يسمعنا، فهي محمولة على الرواية الأخرى عند مسلم (٧٤٦/ ١٣٩): ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، وعلى فرض صحة الرواية الأولى، فمحمولة على أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع صوته بالتسليمة الأولى فقط لكي يوقظ أهل البيت للصلاة، فإنه كان يقوم الليل منفردًا، وقد روي عنها أنها قالت: ثم يسلم تسليمة واحدة، السلام عليكم، يرفع بها صوته، حتى يوقظنا [عند أحمد (٦/ ٢٣٦)، وأبي داود (١٣٤٧)]، وعلى هذا فلم يكن المراد بيان أنه لم ينصرف من الصلاة إلا بتسليمة واحدة، وإنما المراد بيان رفع صوته بالتسليم لكي يوقظها، والله أعلم.
قال ابن القيم في الزاد (١/ ٢٥٩): "وأجود ما فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته، حتى يوقظنا، وهو حديث معلول، وهو في السنن؛ لكنه كان في قيام الليل، والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل، على أن حديث عائشة ليس صريحًا في الاقتصار على التسليمة الواحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها، ولم تنف الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتها عنها مقدمًا على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عددًا، وأحاديثهم أصح، وكثير من أحاديثهم صحيح، والباقي حسان".
وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ٢١٠): "وقد حمله الإمام أحمد على أنه كان يجهر بالواحدة، ويسر الثانية".
وسوف يأتي تخريج حديث عائشة هذا في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى برقم (١٣٤٢ - ١٣٤٩).
• إن قيل هذا؛ فيقال: قد صح عن ابن عمر وأنس وعائشة وسلمة بن الأكوع أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة، ومثل هذا لا يكون إلا بتوقيف، ويستأنس في ذلك أيضًا بعمل أهل المدينة، وبما علقه ابن المنذر في الأوسط (٣/ ٢٢٣)، وابن حزم في المحلى (٤/ ١٣١): عن عمار بن أبي عمار قوله: "كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين عن

الصفحة 498