كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 11)
يسجد سجدتي السهو حين لقنه الناس، إنما هو من كلام الزهري، لا من قول أبى هريرة، ألا ترى محمد بن يوسف لم يذكر هذه اللفظة في قصته، ولا ذكره ابن وهب عن يونس، ولا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن عمرو، ولا أحد ممن ذكرت حديثهم، خلا أبى صالح عن الليث عن ابن شهاب؛ فإنه سها في الخبر وأوهم الخطأ في روايته، فذكر آخر الكلام الذي هو من قول الزهري مجردًا عن أبى هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد يوم ذي اليدين، ولم يحفظ القصة بتمامها، والليث في خبره عن يونس قد ذكر القصة بتمامها، وأعلم أن الزهري إنما قال: لم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، أنه لم يحدثه أحد منهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد يومئذ، لا أنهم حدثوه عن أبى هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد يومئذ، وقد تواترت الأخبار عن أبى هريرة من الطرق التي لا يدفعها عالم بالأخبار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد سجدتي السهو يوم ذي اليدين"، ثم قال ابن خزيمة: "قد أمليت خبر شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وطرق أخبار يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وطرق أخبار محمد بن سيرين عن أبى هريرة، وخبر داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو".
وقال أبو عوانة (١/ ٥١٣): "قال بعض الناس: ذو اليدين وذو الشمالين واحد، ويحتجون بحديث رواه الزهري، فقال فيه: فقام ذو الشمالين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ ويطعنون في هذا الحديث بأن ذا الشمالين قتل يوم بدر، وأن أبا هريرة لم يدركه؛ لأنه أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين أو أربع، وليس كما يقولون؛ وذلك: أن ذا اليدين ليس هو ذو الشمالين؛ لأن ذا اليدين رجل قد سماه بعضهم الخرباق، عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومات بذي خشب على عهد عمر، وذو الشمال هو ابن عمرو حليف لبني زهرة، وقد صح في هذه الأحاديث أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الصلاة".
وقال ابن بطال في شرح البخاري (٣/ ٢٢٢): "وقد اضطرب الزهري في رواية حديث ذي اليدين، فجعله ذا الشمالين المقتول ببدر، وترك العلماء حديثه".
وقال البيهقي في السنن (٢/ ٣٥٨): "وهذا حديث مختلف فيه على الزهري، فرواه صالح بن كيسان هكذا، وهو أصح الروايات فيما نرى، حديثه عن ابن أبى حثمة مرسل، وحديثه عن الباقين موصول، وأرسله مالك بن أنس عنه عن ابن أبى حثمة وابن المسيب وأبي سلمة، وأسنده يونس بن يزيد عنه عن جماعتهم دون روايته عن ابن أبى حثمة، وأسنده معمر عنه عن أبى سلمة وأبي بكر بن سليمان بن أبى حثمة"، قلت: بل هو اضطراب من الزهري نفسه.
ثم قال بعد ذلك: "قال الزهري: ثم اسجد سجدتين بعد ما تفرغ، وهذا يدل على أنه لم يسمعهم ذكروا له سجدتيه وقد سجدهما، حتى أخبر به عن نفسه، واختلف على ابن أبى ذئب عن سعيد المقبري عن أبى هريرة - رضي الله عنه - في هذه القصة، وقد ثبت عن محمد بن