كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 11)

قتل يوم بدر إنما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو، حليف لبني زهرة، وهذا ذو اليدين رجل من العرب كان يكون بالبادية فيجيء فيصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
وقال أيضًا (١/ ٣٦٤): "وأما قول الزهري في هذا الحديث أنه ذو الشمالين؛ فلم يتابع عليه، وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر، وقد اضطرب على الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابًا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة"، ثم ذكر الاختلاف عليه فيه، ثم قال: وهذا اضطراب عظيم من ابن شهاب في حديث ذي اليدين، وقال مسلم بن الحجاج في كتاب التمييز له: قول ابن شهاب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو خطأ وغلط، وقد ثبت عن النبي عليه السلام أنه سجد سجدتي السهو ذلك اليوم من أحاديث الثقات ابن سيرين وغيره.
قال أبو عمر: لا أعلم أحدًا من أهل العلم والحديث المنصفين فيه عوَّل على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين لاضطرابه فيه، وأنه لم يقم له إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد، والكمال ليس لمخلوق، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليس قول ابن شهاب أنه المقتول يوم بدر حجة؛ لأنه قد تبين غلطه في ذلك،. . .
قال أبو عمر: ذو الشمالين المقتول يوم بدر: خزاعي، وذو اليدين الذي شهد سهو النبي عليه السلام: سلمي" [وقال نحوه في الاستذكار (١/ ٥٥٢)، وانظر أيضًا: الاستيعاب (٢/ ٤٧٦)].
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (٢/ ٥١٥): "وفي رواية ابن شهاب: ذو الشمالين رجل من بني زهرة، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، قالوا: لأن ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير، وهو من بني سليم، فهو ذو اليدين المذكور في الحديث، وهذا لا يصح لهم، وإن كان قُتلَ ذو الشمالين يوم بدر فليس هو بالخرباق، هو رجل آخر حليف لبني زهرة، اسمه: عمير بن عبد عمرو من خزاعة؛ بدليل رواية أبى هريرة حديث ذي اليدين ومشاهدته خبره، ولقوله: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الحديث، واسلام أبى هريرة بخيبر بعد يوم بدر بسنين، فهو غير ذي الشمالين المستشهد يوم بدر، وقد عدوا قول ابن شهاب فيه هذا من وهمه".
وقال ابن رجب في الفتح (٦/ ٤٥٨): "الذي يظهر - والله أعلم -: أن الزهري روى هذا الحديث عن سعيد وأبي سلمة وغيرهما، من غير ذكر سجود السهو بنفي ولا إثبات، وأن الزهري أتبع ذلك بقوله من عنده: لم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ للسهو، فهذا مما أرسله الزهري وأدرجه في الحديث، فمن اقتصر على هذا القدر من حديث الزهري ووصله فقد وهم؛ لأنه أسند المدرج بانفراده، وقد ذكر الزهري أنه لم يخبره بالسجود أحدٌ من أهل العلم بالمدينة، فكان ينفي السجود لهذا، وهذا بمجرده لا يبطل رواية الحفاظ الأثبات للسجود".

الصفحة 57