كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 11)

ولفظ أبى الوليد [عند ابن حبان]، وبنحوه موسى بن مسعود [عند البزار]: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي [وفي رواية البزار: الظهر]، فلم يصل بنا إلا ركعتين، فقال له رجل يقال له: ذو اليدين من خزاعة: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "كل ذلك لم يكن"، فقال: يا رسول الله! إنما صليت بنا ركعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يقول ذو اليدين؟ "، وأقبل على القوم، فقالوا: يا رسول الله! لم تصل بنا إلا ركعتين، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستقبل القبلة فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين وهو جالس [زاد في رواية البزار: ثم سلم].
وهذا إسناد يمامي صحيح؛ وعكرمة بن عمار: إنما تكلم في روايته عن يحيى بن أبى كثير خاصة، فإن روايته عنه مضطربة، وهو ثقة في غيره، وضمضم بن جوس الهفاني اليمامي: ثقة، سمع أبا هريرة [تقدم ذكره عند الحديث رقم (٩٢١)].
• ولا يقدح فيه: ما رواه أبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبى الفوارس (٣٦٠)، قال: حدثنا يحيى [هو: يحيى بن محمد بن صاعد؛ ثقة حافظ إمام]: حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن العبدي [ثقة]: حدثنا أبى: حدثنا شعبة، عن عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جَوْس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فأوهم، فقالوا: يا رسول الله! أنسيتَ أم قصرت الصلاة؟ قال: "لا، بل نسيتُ"، فقام فصلى بهم، فلما سلم سجد سجدتين.
قلت: هذه رواية شاذة سندًا ومتنًا، وهو حديث غريب جدًّا من حديث شعبة.
فإن قيل: ألم يحتج البخاري بهذا الإسناد عن شعبة في صحيحه؟ فيقال: إنما أخرج به حديثًا واحدًا (٤٦٢١)، ثم أتبعه بقوله: "رواه النضر وروح بن عبادة، عن شعبة"؛ يعني: أن الوليد بن عبد الرحمن هذا لم يتفرد به عن شعبة، بل توبع عليه، وقد وصله البخاري نفسه في موضعين آخرين من صحيحه (٦٤٨٦ و ٧٢٩٥) من طريق سليمان بن حرب وروح بن عبادة كلاهما عن شعبة به، ثم إن البخاري قد أخرج الحديث المذكور من طرق كثيرة عن أنس، وهذه أطرافه عنده: (٩٣ و ٥٤٠ و ٧٤٩ و ٦٣٦٢ و ٦٤٦٨ و ٧٠٨٩ و ٧٠٩٠ و ٧٠٩١ و ٧٢٩٤)، وعليه: فإن البخاري إنما أخرج له فيما توبع عليه فقط، ويقبل في المتابعات ما لا يقبل في الأصول.
والوليد بن عبد الرحمن بن حبيب العبدي الجارودي: لم يترجم له البخاري في تاريخه الكبير، ولم يرو عنه سوى ابنه المنذر، ولم يوثقه سوى الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو مقلٌّ جدًّا؛ فضلًا عن كونه لا يُعرف بالرواية عن شعبة، ولا هو من أصحابه المقلين، وهذا ابن حجر يذكره في الفتح (٨/ ٢٨١) بعد أن تكلم عن ابنه المنذر، فيقول: "وأبوه [يعني: الوليد هذا] ماله في البخاري ذكرٌ إلا في هذا الموضع، ولا رأيت عنه راويًا إلا ولده، وحديثه هذا في المتابعات؛ فإن المصنف أورده في الاعتصام من رواية غيره" [كنى مسلم (٢٤٩٧)، الثقات (٩/ ٢٢٥)، تاريخ الإسلام (١٤/ ٤٢٦)، التهذيب (٤/ ٣١٨)]؛ فمثله إذا انفرد عن شعبة بشيء لم يقبل تفرده، ويُعدُّ غريبًا جدًّا.

الصفحة 64