كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 12)
الصلاة الأربع، ثم حُطَّ منها ركعتان لأجل التخفيف على المسافر، فمما قيل في الرد على ذلك، ما قاله الطحاوي في المشكل (١١/ ٤٠): "أن معنى الوضع منه عز وجل تركه فرض ما وضعه عن من وضعه عنه، وإن لم يكن مفروضًا عليه قبل ذلك، ومثل ذلك: ما قد روي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما قد أجمع المسلمون على تثبيتهم ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما قد ذكرناه فيما تقدم منا من كتابنا هذا، من قوله: "رُفِع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق"، ولم يكلن ما ذكر رفعه عنهم من ذلك كان مكتوبًا عليهم قبل ذلك، وإنما المعنى: رُفِع عنهم فلم يكتب عليهم، فمثل ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى: وضع عن المسافر شطر الصلاة، أي: لم يكتبه عليه، لا أنه كان مكتوبًا عليه قبل وضعه إياه عنه ثم وضعه عنه".
فإن قيل: ينتقض ذلك بوضعه الصيام عن المسافر وعن الحبلى والمرضع، وقد كان مكتوبًا عليهم قبل ذلك، فيقال: الرد من وجهين:
الأول: أن وضع شطر الصلاة عن المسافر حال سفره لا يتبعه المطالبة بالقضاء عند زوال وصف السفر، حيث إنه قد أتى بما أمر به، ولم يأت دليل على مطالبته بالقضاء، وذلك بخلاف الصيام فإنه مطالب بقضائه بمجرد زوال عذره الذي أباح له الفطر، فهو مكتوب عليه قبل قيام العنر به، وزوال العذر بعد ذلك لم يسقط عنه المطالبة بالقضاء، بل النص صريح في ذلك، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] فإذا زال العذر لزمه القضاء.
الثاني: أن عطف بعض الأفراد على بعض لا يعني اشتراكها في جميع الأحكام، فقد يعطف الخاص على العام، والمندوب على الواجب، والمكروه على المحرم، وذلك لاشتراكها في أمر دلّت عليه القرينة في النص، كعطف العمل الصالح على الإيمان وهو أحد أفراده، وايتاء ذي القربى على العدل والإحسان، وكعطف العمرة على الحج، وإتمام الوضوء على غسل الجنابة، وعطف إضاعة المال على كثرة السؤال، ونحو ذلك مما ليس هذا موضع تفصيل القول فيه، واللَّه أعلم.
* فإن اعتُرض على هذه الأدلة المتكاثرة: الدالة على مداومة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على قصر الرباعية في السفر، والمقترنة بما صح عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قوله: "إن اللَّه وضع عن المسافر شطر الصلاة"؛ فقيل: لقد نُقل عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أتم في السفر، أو أقر ذلك، أو أنه إنما قصر لأجل الخوف:
* فمن ذلك: اقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعائشة إتمامها في السفر:
فقد روى محمد بن يوسف الفريابي [ثقة]: ثنا العلاء بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: خرجت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في عمرة فى رمضان، فأفطر رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وصمتُ، وقصر وأتممتُ، فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي أنت