كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 12)

الصحيحة أنه لم يعتمر إلا في ذى القعدة، وثبت أيضًا أنه لم يسافر من المدينة إلى مكة ودخلها إلا ثلاث مرات: عمرة القضية، ثم غزوة الفتح، ثم حجة الوداع، وهذا مما لا يتنازع فيه أهل العلم بالحديث والسيرة وأحوال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يسافر في رمضان إلى مكة إلا غزوة الفتح؛ كان كل من هذين دليلًا قاطعًا على أن هذا الحديث الذي فيه: أنها اعتمرت معه في رمضان، وقالت: أتممتُ وصمتَ، فقال: "أحسنت": خطأ محض، فعُلم قطعًا أنه باطل، لا يجوز لمن علم حاله أن يرويه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لقوله: "من روى عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"،. . . ".
ثم قال (٢٤/ ١٥١): "وأيضًا: فعائشة كانت حديثة السن على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-،. . .، وأيضًا فلو كانت كبيرة؛ فهي إنما تتعلم الاسلام وشرائعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف يتصور أن تصوم وتصلي معه في السفر خلاف ما يفعله هو وسائر المسلمين وسائر أزواجه، ولا تخبره بذلك حتى تصل إلى مكة، هل يُظَنُّ مثل هذا بعائشة أم المؤمنين؟ وما بالها فعلت هذا في هذه السفرة دون سائر أسفارها معه؟ وكيف تطيب نفسها بخلافه من غير استئذانه، وقد ثبت عنها في الصحيحين بالأسانيد الثابتة باتفاق أهل العلم أنها قالت: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأُقرَّت صلاة السفر على الفريضة،. . . ".
ثم قال (٢٤/ ١٥٢ و ١٥٣): "وأيضًا: فهي لما أتمت الصلاة بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم تحتجَّ بأنها فعلت ذلك على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا ذكر ذلك أخبر الناس بها عروة بن أختها،. . .، فهذا عروة يروي عنها أنها اعتذرت عن إتمامها بأنها قالت: لا يشقُّ عليَّ، وقال: إنها تأولت كما تأول عثمان، فدل ذلك على أن إتمامها كان بتأويل من اجتهادها، ولو كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد حسَّن لها الإتمام أو كان هو قد أتم؛ لكانت قد فعلت ذلك اتباعًا لسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك عثمان، ولم يكن ذلك مما يُتأول بالاجتهاد".
وقال ابن القيم في الزاد (١/ ٤٦٥): "وقد أتمت عائشة بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال ابن عباس وغيره: إنها تأولت كما تأول عثمان، وإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقصر دائمًا فركَّب بعض الرواة من الحديثين حديثًا، وقال: فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقصر وتتم هي، فغلط بعض الرواة فقال: كان يقصر ويتم؛ أي: هو".
وقال شيخ الإسلام: "وكل ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أنه صلى أربعًا، أو أقر من صلى أربعًا: فإنه كذب" [المجموع (٢٤/ ٩٧)].
* ومن ذلك أيضًا: ما نقلته عائشة من الإتمام في السفر من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-:
أ- فقد روى المغيرة بن زياد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قصر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في السفر، وأتم.
وفي رواية: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسافر فيتم الصلاة ويقصر.
وفي رواية: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتم الصلاة في السفر ويقصر، ويصوم ويفطر، ويؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء.

الصفحة 489