كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 13)

أولها: أنه لم يأت هكذا إلا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، ولا يعلم أحدٌ من أصحاب الحديث ليزيد سماعًا من أبي الطفيل.
والثاني: أن أبا الطفيل صاحب راية المختار، وذكر أنه كان يقول بالرجعة.
والثالث: أننا روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح، أنه قال: قلت لقتيبة: مع من كتبتَ عن الليث حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ يعني: هذا الحديث الذي ذكرنا بعينه، قال: فقال لي قتيبة: كتبته مع خالد المدائني.
قال البخاري: كان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ، يريد: أنه كان يدخل في روايتهم ما ليس منها".
وتعقبه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٢/ ٣٤) بقوله: "وأما قول أبي محمد [يعني: ابن حزم] في أبي الطفيل أنه كان يحمل راية المختار، فليست هذه بعلة، ولعل أبا الطفيل كان لا يعلم بسوء مذهب المختار، وإنما خرج المختار يطلب دم الحسين، وكان قاتله حيًا، فخرج أبو الطفيل معه".
وقال ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ١٨١): "وقد طعن أبو محمد ابن حزم في أبي الطفيل، وردَّ روايته بكونه كان صاحب راية المختار أيضًا، مع أن أبا الطفيل كان من الصحابة، ولكن لم يكونوا يعلمون ما في نفس المختار وما يُسِرُّه، فردُّ رواية الصاحب والتابع الثقة بذلك باطل".
وقال ابن حجر في هدي الساري (٢/ ١٠٩١): "أساء أبو محمد ابن حزم فضعَّف أحاديث أبي الطفيل، وقال: كان صاحب راية المختار الكذاب، وأبو الطفيل: صحابي لا شك فيه، ولا يؤثِّر فيه قول أحد، ولا سيما بالعصبية والهوى".
قلت: ولا تصح نسبة الإيمان بالرجعة للمختار، والطعن بها في الصحابي أبي الطفيل لا تجوز، فإنها من القول على الصحابة بغير علم، وهذا من سوء الأدب مع الصحابة أن تنسب إليهم الأقوال الردية المكفرة، وأقدم من وجدته نسب القول بالرجعة لأبي الطفيل: ابن قتيبة الدينوري، ولم يكن بصاحب حديث، فلعله أخذه عن غير ثقة، واللَّه أعلم [انظر: المعارف لابن قتيبة (٣٤١)، تأويل مختلف الحديث (١٠)، طبقات الفقهاء (٣٤)، طبقات الحنفية (١/ ٤٢٦)، السير (١٣/ ٢٩٦)].
وقال البيهقي: "تفرد به قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن يزيد".
ثم قال بعد أن أسند قول البخاري: "وإنما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، فأما رواية أبي الزبير عن أبي الطفيل: فهي محفوظة صحيحة".
قلت: إن كان يعني رواية ابن موهب عن المفضل بن فضالة؛ فهي رواية منكرة، وإن كان يعني رواية الجماعة عن هشام بن سعد عن أبي الزبير بنحو رواية مالك عن أبي الزبير، فهي رواية محفوظة، دون ذكر الإبراد الذي تفرد به هشام بن سعد، فأخطأ في ذلك، وقد سبق بيان ذلك في موضعه مفصلًا، واللَّه أعلم.

الصفحة 41