كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 13)

قائلًا: "كتبته مع خالد المدايني"، وهذا يحتمل أن قتيبة لم يكن يكتب حال السماع، وإنما كان يحفظ، فإذا انقضى مجلس السماع، تنحى جانبًا فكتب ما سمع من حفظه، وقد يكون معه حينئذ من كان مثله، فيستعين بعضهم ببعض فيما يشكل عليه حال السماع، مِن شكٍّ في إسناد أو متن، فيستثبت أحدهم من صاحبه، فلما أخبر قتيبة بانه كتبه مع أبي الهيثم خالد بن القاسم المدائني، علم البخاري من أين دخل عليه الخلل؛ فقال البخاري: "وكان خالد المدايني يُدخل الأحاديث على الشيوخ"؛ يعني: أنه أدخله على قتيبة، واللَّه أعلم.
فإن قيل: فما تفعل بما رواه ابن حبان في المجروحين (١/ ٢٨٣) (١/ ٣٤٤ - ط. الصميعي)، قال: حدثني محمد بن المنذر [ثقة حافظ، يُعرف بشكَّر. الارشاد (٣٣٦)، إكمال ابن ماكولا (٤/ ٣٢٤)، تاريخ دمشق (٥٦/ ٣١)، السير (١٤/ ٢٢١)، تذكرة الحفاظ (٢/ ٧٤٨)]، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرُلُّسي [إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي البرلسي: ثقة حافظ متقن. تاريخ دمشق (٦/ ٤١٤)، الأنساب (١/ ٣٢٨)، السير (١٢/ ٦١٢) و (١٣/ ٣٩٣)]، قال: حدثني سعيد بن أسد -يعني: ابن موسى- السنة [قال ابن معين: "لا بأس به، فتى صِدقٍ، صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أبو زرعة الرازي، وهو لا يحدث إلا عن ثقة، وأكثر عنه يعقوب بن سفيان في المعرفة. سؤالات ابن الجنيد (٥٥٢)، الجرح والتعديل (٤/ ٥)، الثقات (٨/ ٢٧١)، تاريخ الإسلام (١٦/ ١٧٢)، الثقات لابن قطلوبغا (٤/ ٤٦١)]، قال: حدثنا يحيى بن حسان [التنيسي: ثقة]، قال: "كان خالد المدائني يأتي الليث بن سعد بالرقاع فيها أحاديث قد وصلها، فيدفعها إلى الليث، فيقرؤها له، قال يحيى بن حسان: قلت له: لا تفعل فإن عاقبته راجعة عليك، هذا إنما هو صاحب كتاب، فمن نظر في كتابه فلم يجد لهذه الأحاديث أصلًا رجع عاقبة ذلك عليك".
فيقال: إن هذا التلقين المزعوم لم يقع؛ لأن حديث الليث بقي بين أصحابه واحدًا على خلاف ما فعل خالد المدائني، بدليل تفرد قتيبة بهذا الحديث، ولم يشاركه فيه أحد ممن يروي عن الليث، لا من المصريين، ولا من الغرباء، فلو كان هذا الحديث تلقنه الليث بن سعد، فلماذا لم يحمله عنه من حضر هذا المجلس، ولعل ما نجح فيه خالد المدائني هو فقط ما يتعلق بوصل المراسيل ورفع الموقوفات في كتابه هو عن الليث، كما توضحه هاتان الواقعتان:
فقد روى العقيلي في الضعفاء (٢/ ١٣) (١/ ٥٧٦ - ط. التأصيل)، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار [ثقة حافظ متقن. تاريخ بغداد (٤/ ٣٠٦)، السير (١٣/ ٤٤٣)]، قال: حدثنا مؤمل بن إهاب [صدوق]، قال: سمعت يحيى بن حسان، يقول: جاء المدائني فلزق أحاديث الليث بن سعد؛ إذا كان: عن الزهرى عن ابن عمر؛ أدخل سالم، وإذا كان: عن الزهرى عن عائشة؛ أدخل عروة، قلت له: اتق اللَّه! قال: ويجيء أحدٌ يعرف هذا؟
يعني: أنه إنما فعل ذلك في كتابه هو، لا أنه دفعه إلى الليث ليقرأه عليه، فإنه لو

الصفحة 43