كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 13)

يسنده، وقد رواه ابن أبي شيبة (٢/ ٦٨/ ٦٥٦١)، والطبراني في الكبير (١/ ٢٤٣/ ٦٨١)، من طرق صحيحة عن حماد بن زيد، ويونس بن عبيد، وحماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين، أنه خرج مع أنس بن مالك إلى أرض بني سيرين في سفينة، فصلى بهم فيها جلوسًا، وفي بعض طرقه: خرجت مع أنس إلى بني سيرين في سفينة عظيمة، قال: فأمنا فصلى بنا فيها جلوسًا ركعتين، ثم صلى بنا ركعتين أخراوين؛ فهو ثابت عن أنس بدون تقدير المسافة.
• نرجع مرة أخرى إلى حديث أنس والاحتجاج به على أقل مسافة القصر، قال ابن حجر في الفتح (٢/ ٥٦٧): "وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه [يعني: أقل مسافة القصر]، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر، لا غاية السفر، ولا يخفى بُعد هذا الحمل"، ثم أورد القرينة السابق إيرادها في النص، ثم قال: "فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه".
وفي شرح الزرقاني (١/ ٤٢٥) [نقلًا عن الفتح]: "ورده القرطبي [ذكره في تفسيره (٥/ ٣٥٤)] بأنه مشكوك فيه، فلا يحتج به؛ فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلَّم، لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها؛ فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.
قلت: الرد على الاحتجاج بحديث أنس هذا على أقل مسافة القصر من وجوه:
الأول: القرينة المذكورة في النص لا تساعد على صحة الدعوى؛ وذلك لأن المسافة بين البصرة والكوفة تقرب من (٤٤٥) كيلو مترًا؛ يعني: أنها تزيد على المسافة فيما بين مكة والمدينة (٤٣٦) بما يقرب من عشر كيلو مترات، وهذه المسافة اتفق العلماء على قصر الصلاة فيها، قال ابن المنذر في الأوسط (٤/ ٣٤٦): "أجمع أهل العلم على أن لمن سافر سفرًا تكون مسافته مثل ما بين المدينة إلى مكة أن يقصر الصلاة؛ إذا كان خروجه فيما تقدم وصفنا له"؛ يعني: لمن كان سفره في حج أو عمرة أو جهاد، والجمهور على إباحة القصر فيمن خرج إلى ما أبيح له، كتجارة ونحوها.
والشاهد أن أنسًا بيَّن للسائل مراده في مسافة القصر، وهو أنه يقصر في مثل ما بين مكة والمدينة، مثل فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قصره الصلاة في حجة الوداع منذ أن خرج من المدينة إلى أن رجع إليها، ثم زاده على ذلك مسألة أخرى: وهي أن له أن يقصر الصلاة بمجرد خروجه وبروزه من البنيان، مثلما كان يفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد كان يقصر إذا خرج من المدينة قاصدًا مكة، فيبتدئ قصره من ذي الحليفة، وهذه المسافة المذكورة في حديث أنس هذا [الثلاثة الفراسخ] تقرب من المسافة فيما بين مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين ذي الحليفة، والتي قصر بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة العصر، فصلاها ركعتين.
الثاني: أن رواية يحيى بن يزيد الهنائي عن أنس إنما هي تفسير لما رواه ثلاثة من أصحاب أنس:

الصفحة 6