كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 16)

والحاصل: فإن حديث عباس الجشمي عن أبي هريرة: حديث حسن، حيث يشهد لثبوته: حديث ابن مسعود، وحديث أنس بن مالك، كما ثبت مقطوعًا على حميد بن عبد الرحمن، وابن شهاب الزهري، ومثله لا يقال من قبل الرأي، والله أعلم.
قلت: ولكون أبي داود قد احتج بحديث أبي هريرة في فضل سورة تبارك: على عدد الآي؛ فإنه يمكن أن يقابل هذا التحديد بثلاثين آية الواقع في حديث أبي هريرة وابن مسعود وأنس:
بما رواه أبو بكر بن عياش، وحماد بن سلمة، وأبو معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري [وهم ثقات]، وأبو خالد الدالاني [هو: يزيد بن عبد الرحمن: كوفى، لا بأس به]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]:
عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة من الثلاثين، من آل حم، قال: يعني: الأحقاف، قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين، قال: فرحت إلى المسجد، فإذا رجل يقرؤها على غير ما أقرأني، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فقلت لآخر: اقرأها، فقرأها على غير قراءتي وقراءة صاحبي، فانطلقت بهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، إن هذين يخالفاني في القراءة؟ قال: فغضب، وتمعَّر وجهه، وقال: "إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف"، -قال: قال زر: وعنده رجل -قال: فقال الرجل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما أقرئ، فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف، قال: قال عبد الله: فلا أدري أشيئًا أسره إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو علم ما في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: والرجل هو علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. لفظ أبي بكر بن عياش [عند أحمد].
وفي لفظ لحماد [عند أحمد]: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة الأحقاف، وأقرأها رجلاً آخر، فخالفني في آية، فقلت له: من أقرأكها؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته وهو في نفر، فقلت: يا رسول الله، ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ فقال: بلى، قال: قلت: فإن هذا يزعم أنك أقرأتها إياه كذا وكذا؟ فتغير [وفي رواية: فتمعَّر] وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال الرجل الذي عنده: ليقرأ كل رجل منكم كما سمع، فإنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف، قال: فواللّه، ما أدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك، أم هو قاله؟.
ولفظ شيبان [عند الشاشي]: أتيت المسجد فجلست إلى أناس، وجلسوا إليَّ، فاستقرأت رجلًا منهم سورة، ما هي إلا ثلاثون آية، وهي حم الأحقاف، فإذا هو يقرأ حروفًا لا أقرؤها، فقلت: من أقرأك؟ قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستقرأت الآخر فإذا هو يقرأ حروفًا لا أقرؤها أنا وصاحبي، فقلت: من أقرأك؟ قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقنا إليه، فأخذت بأيديهما حتى أتيت بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنده رجل -يعني: عليًا-

الصفحة 501