كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

أخرجه البيهقي (٢/ ٣٢٥).
قلت: هذا إسناد ظاهره الصحة، رجاله كلهم ثقات، لكنه معلول.
قال ابن حجر في الفتح (٢/ ٥٥٤) بعد إيراد الأثر الأول: "وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر، فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله: طاهر؛ الطهارة الكبرى، أو: الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة".
وقد ضعفه ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ٤٤)، ولم يذكر موجب التضعيف.
قلت: هو غريب جداً، إذ لا يُعرف هذا الأثر بالمدينة، إذ مخرجه منها، ولم يروه مالك في موطئه عن نافع، مع شدة احتياجه إليه، حيث إنه يفتي بمقتضاه، فلم يُعرف عن نافع إلا بمصر حيث تفرد به عنه: الليث بن سعد، وهو ثقة إمام، لكن الشأن في تفرد من دون الليث بهذا الحديث، والأصل في حديث الليث اشتهاره بمصر، فهو كثير الأصحاب لا سيما أهل بلده المكثرين عنه، مثل: ابنه شعيب، وكاتبه أبي صالح عبد الله بن صالح، وعبد الله بن وهب، وعبد اللّه بن عبد الحكم، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، وسعيد بن كثير بن عفير، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد اللّه بن لهيعة، ومحمد بن رمح، وعيسى بن حماد زغبة، وكل هؤلاء مصريون، وخلائق غيرهم كثير من أهل مصر والعراق والشام ونيسابور وخراسان وغيرها من الأمصار، فأين هؤلاء عن حديث الليث هذا.
ثم إنه قد تكلم في رواية قتيبة عن الليث، حيث تفرد عنه ببعض الغرائب التي استنكرت عليه، قال أبو سعيد ابن يونس: "وقد انفرد الغرباء عن الليث بأحاديث ليست عند المصريين عنهإ، وعد منها أحاديث، ومنها حديث لقتيبة عن الليث [تاريخ ابن عساكر (٥٠/ ٣٤٣)]، وقد كتب قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد بعض الأحاديث مع خالد المدايني، قال البخاري: "وكان خالد المدايني يدخل الأحاديث على الشيوخ"، يعني: أنه يدخل على قتيبة، وخالد بن القاسم المدائني: متهم بالوضع [راجع في ذلك مثالًا لحديث أدخله خالد المدائني على قتيبة بن سعيد، فجعله من حديث الليث بن سعيد: فضل الرحيم الودود (١٣/ ٣٧/ ١٢٠٦)].
كما أنه تفرد به عن قتيبة بن سعيد: داود بن الحسين البيهقي، وهو ليس من أهل بلده، وقتيبة كثير الأصحاب، روى عنه خلائق من البشر من عامة الأمصار، منهم أئمة الزمان من المصنفين وغيرهم، فهو أيضاً غريب من حديث قتيبة.
ولا يقال مثل هذا في الأثر الأول الذي احتج به البخاري؛ لاشتهاره، ولكون مخرجه من غير أهل المدينة، حيث رواه عن ابن عمر: سعيد بن جبير الكوفي، ثم عنه: عبيد بن الحسن الكوفي، ثم عنه: زكريا بن أبي زائدة الكوفي، ثم اشتهر عنه، فهو إسناد كوفي قد اشتهر؛ بخلاف حديث نافع المدني الذي لم يُعرف إلا في مصر، ثم لم يُعرف إلا في بلخ ونيسابور؛ فهو غريب جداً.

الصفحة 125