كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ليس لك ولا لأصحابك.
قلت: فصح بذلك الطريق إلى النعمان بن عبد السلام، وزال التفرد، فإن الراوي عنه: أبو سفيان صالح بن مهران الأصبهاني: وثقه عمرو بن علي الفلاس، والنسائي، وقال أبو نعيم الأصبهاني: "كان من الورع بمحل" [التهذيب (٢/ ٢٠٠)].
فكيف يكتب الدارقطني حديث الثوري من طريق هؤلاء وبعضها غرائب كما ترى، أو لا تثبت إلى أصحابها، ثم يعرض عن حديث ابن مهدي ومحمد بن كثير، ولو كانت مشتهرة لوصلت إلينا، أو لأسندها الدارقطني نفسه، بل إنه أهمل ذكر طريق عبد الرزاق المثبتة في مصنفه، وطريق الحسين بن حفص، والله أعلم.
ومع ذلك؛ فإنا نعتمد كلامه هنا، ونقول: لو كان الأمر كذلك: لكان المرسل عن الثوري هو المحفوظ؛ إذ يرويه عنه ثقات أصحابه وأثبت الناس فيه؛ كابن مهدي وغيره.
قلت: ومما يؤيد ذلك أن أبا داود لم يجد طريقاً مشتهرة موصولة لحديث عمرو بن مرة سوى حديث أبي حفص الأبار عن الأعمش، مع نزول أبي حفص في الرتبة بين أصحاب الأعمش، يعني: أنه لم يجد للحديث طريقاً موصولة أصلح من هذه، والله أعلم.
وهذا كله مما يؤيد كون المحفوظ في هذا الحديث هو الإرسال.
* قال الدارقطني في العلل: "وقال أيوب بن سويد: عن الثوري، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، وزاد فيه الأعمش"، ثم وصله من طريق أيوب.
وقال في الأفراد (٢/ ٤٩/ ٣٩٤٣ - أطرافه): "تفرد به أيوب بن سويد عن الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة، وخالفه عبد المجيد بن أبي رواد، فرواه عن الثوري عن عمرو بن مرة نفسه، ولم يذكر بينهما الأعمش".
قلت: أيوب بن سويد الرملى: ضعيف، صاحب مناكير [انظر: التهذيب (١/ ٢٠٤)، الميزان (١/ ٢٨٧)].
وقال الدارقطني أيضاً: "وقال أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن مهدي: سألت سفيان عن حديث عمرو بن مرة هذا، فقال: لم أسمعه من عمرو بن مرة".
وقال البيهقي: "هكذا رواه جماعة عن الثوري، ويقال: لم يسمعه الثوري من عمرو؛ إنما سمعه عن رجل عن عمرو، وروي عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن الثوري، فذكر فيه عبد الله؛ وليس بمحفوظ، والحديث مع ذكر عبد الله بن مسعود فيه منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه".
وهذا يؤيد صحة رواية عبد الرزاق: عن الثوري، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي عبيدة، مرسلاً.

الصفحة 143