كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

ومن أبين الأدلة على أن الوتر ليس بفرض:
* ما رواه مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه: أنه سمع طلحة بن عبيد الله، يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد، ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته ولا يُفقه ما يقول حتى دنا؛ فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: "لا إلا أن تطوع".
قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيام شهر رمضان، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع".
قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصدقة، قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع".
فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أفلح إن صدق".
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٢٤٨ - ٢٤٩/ ٤٨٥)، ومن طريقه: البخاري (٤٦ و ٢٦٧٨)، ومسلم (١١/ ٨)، وتقدم في فضل الرحيم الودود (٤/ ٣٥٥/ ٣٩١)].
ومما قلت هناك تعليقاً على هذا الحديث:
* وهذا الحديث من أقوى الحجج الدامغة في كون الصلوات المفروضات الواجبات على العباد التي لا يجب على المكلف غيرها: خمس فقط، فإن هذا الأعرابي قدم في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رجح طائفة أنه ضمام بن ثعلبة كما في حديث أنس وابن عباس -، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما افترض الله عليه من الصلاة؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال الأعرابي سائلاً مستثبتاً: هل عليَّ غيرهن؟ فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بجواب قاطع فاصل في محل النزاع: "لا؛ إلا أن تطوع".
فدل ذلك على أن ما سوى هذه الخمس: تطوع، وليس بفرض.
ومن أبين الأدلة على ذلك أيضاً: حديث الإسراء ففي حديث أنس، عن أبي ذر: "هي خمس، وهي خمسون، لا يبدَّل القولُ لديَّ" [البخاري (٣٤٩ و ٣٣٤٢)، مسلم (١٦٣)]، وفي حديث أنس عن مالك بن صعصعة: "أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي" [البخاري (٣٢٠٧ و ٣٨٨٧)، مسلم (١٦٤)].
وهو من أقوى الأدلة وأبينها على استقرار الصلاة المفروضة على العباد على هذا العدد، فلا يقبل الزيادة ولا النقصان، ولا يحتمل معه قول القائل بوجوب صلاة الوتر أو الضحى أو غيرهما؛ بحجة أنها أوامر، وأنها زيدت بعد الأوامر الحاصرة للصلوات المفروضة في خمس فقط فوجب قبولها، زعموا! وهذا زعم باطل؛ لهذا الحديث: "لا يبدل القول لديَّ "، فلو زاد سادسة لكان - تعالى وتقدس - مبدلاً لقوله؛ وحاشاه - صلى الله عليه وسلم -، ولو زاد سادسة لكان ذلك تكليفاً زائداً على عباده منافياً لقوله تعالى "وخففت عن عبادي"، والله أعلم.

الصفحة 185