كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

قال ابن نصر في كتاب الوتر (٢٦٩ - مختصره): "افترض الله الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته أول ما افترض ليلة أسري به خمس صلوات في اليوم والليلة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمته، ثم لم يزل بعد هجرته وقدوم المدينة ونزول الفرائض عليه فريضة بعد فريضة من الزكاة والصيام والحج والجهاد يخبر بمثل ذلك، إلى أن توفي صلوات الله وسلامه عليه، وقدمت عليه وفود العرب بعد فتحه مكة، ورجوعه إلى المدينة، وذلك في سنة تسع وعشر، من البادية ونواحيها يسألونه عن الفرائض يخبرهم في كل ذلك: أن عدد الصلوات المفترضات: خمس.
ووجَّه معاذَ بن جبل - رضي الله عنه - إلى اليمن، وذلك قبل وفاته بقليل فأمر أن يخبرهم بأن فرض الصلوات: خمس.
ثم آخر ما خطب بذلك في حجة الوداع فأخبرهم أن عدد الصلوات المفترضات خمس؛ لا أكثر من ذلك.
وفيها نزلت: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣]، ثم لم ينزل بعد ذلك فريضة ولا حرام ولا حلال، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات بعد رجوعه بأقل من ثلاثة أشهر ... "، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.
وقد أطال في الرد على أبي حنيفة وأصحابه في هذه المسألة، وأسهب في الرد في آخر كتاب الوتر (٢٩٦ - مختصره)، وكان في أول ما قال: "وزعم النعمان أن الوتر بثلاث ركعات، لا يجوز أن يزاد على ذلك ولا ينقص منه، فمن أوتر بواحدة فوتره فاسد، والواجب عليه أن يعيد الوتر فيوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، فإن سلم في الركعتين بطل وتره، وزعم أنه ليس للمسافر أن يوتر على دابته؛ لأن الوتر عنده فريضة، وزعم أنه من نسي الوتر فذكره في صلاة الغداة بطلت صلاته، وعليه أن يخرج منها فيوتر، ثم يستأنف الصلاة، وقوله هذا خلاف للأخبار الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وخلاف لما أجمع عليه أهل العلم، وإنما أتى من قلة معرفته بالأخبار، وقلة مجالسته للعلماء"، ... ثم ذكر كلاماً طويلاً في الرد عليه، ومنه: "ودليل رابع: هو أن الوتر يعمل به الخاص والعام من المسلمين في كل ليلة، فلو كان فرضاً لما خفي وجوبه على العامة، كما لم يخف وجوب الظهر والعصر والصلوات الخمس، ولنقلوا علم ذلك، كما نقلوا علم صلاة المغرب وسائر الصلوات أنها مفروضات، وقد توارثوا علم ذلك بنقله قرناً عن قرن، من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، لا يختلفون في ذلك، ولا يتنازعون، فلو كان الوتر فرضاً كسائر الصلوات، لتوارثوا علمه ونقله قرناً عن قرن كذلك"، وراجع بقية كلامه ففيه فوائد نفيسة.
وقال الأثرم في الناسخ (٩٢): "ولو كانت الوتر فريضة، كان تاركها كافراً كسائر الصلوات، ولو كانت أيضاً فريضة لم يختلف العلماء فيها، فيزيد فيها بعضهم على بعض، لأن الفرض موقوف عليه، غير مختلف فيه.

الصفحة 186