كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

ومما يؤكد هذا المذهب: قول علي: إن الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة، وقول ابن عمر حين سئل، أسنة هو؟ فقال: أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، ولم يزد، ومن ذلك قول عبادة بن الصامت للذي قال الوتر واجب: كذب أبو محمد، ومن ذلك حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "ليست لك ولا لأصحابك".
وقال ابن خزيمة في صحيحه (٢/ ١٣٧) (٢/ ٧١ - ط التأصيل) في معرض الرد على أبي حنيفة: "قد خرجت في كتاب الكبير أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - في إعلامه أن الله فرض عليه وعلى أمته خمس صلوات في اليوم والليلة، فدلت تلك الأخبار على أن الموجبَ الوترَ فرضاً على العباد موجبٌ عليهم ستَّ صلواتٍ في اليوم والليلة، وهذه المقالة خلاف أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخلاف ما يفهمه المسلمون، عالمهم وجاهلهم، وخلاف ما تفهمه النساء في الخدور والصبيان في الكتاتيب، والعبيد والإماء، إذ جميعهم يعلمون أن الفرض من الصلاة خمس لا ست"، إلى آخر كلامه، وقد نقلته بتمامه قريباً.
وقال ابن المنذر في الأوسط (٥/ ١٦٧): "فدلت هذه الأخبار وما لم نذكره من الأخبار في هذا الموضوع على: أن فرائض الصلوات خمس، وسائرهن تطوع، وهو قول عوام أهل العلم، غير النعمان فإنه خالفهم، وزعم أن الوتر فرض، وهذا القول مع مخالفته للأخبار الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما عليه عوام أهل العلم عالمهم وجاهلهم، ولا نعلم أحداً سبقه إلى ما قال، وخالفه أصحابه فقالوا كقول سائر الناس".
وقال ابن حزم في المحلى (٢/ ٢٢٧): "وقولنا: الفرض والواجب والحتم واللازم والمكتوب؛ ألفاظ معناها واحد، وهو ما ذكرنا.
وقولنا: التطوع والنافلة بمعنى واحد، وهو ما ذكرنا، وقال قوم: هاهنا قسم ثالث وهو الواجب".
قال أبو محمد: "هذا خطأ؛ لأنه دعوى بلا برهان، وقول لا يفهم، ولا يقدر قائله على أن يبين مراده فيه.
فإن قالوا: إن بعض ذلك أوكد من بعض، قلنا: نعم، بعض التطوع أوكد من بعض، وليس ذلك بمخرج شيء منه عن أن يكون تطوعاً، لكن أخبرونا عن هذا الذي قلتم: هو واجب لا فرض، ولا تطوع، أيكون تاركه عاصياً لله عز وجل؟ أم لا يكون عاصياً؟ ولا بد من أحد هذين القسمين، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان تاركه عاصياً فهو فرض؛ وإن كان تاركه ليس عاصياً فليس فرضاً".
ثم احتج بحديث طلحة بن عبيد الله، ثم قال: "وهذا نص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قولنا، وأنه ليس إلا واجباً أو تطوعاً، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع، وهذا لا يسع أحداً خلافه"، إلى آخر ما قال.
ومما قال البيهقي في مقام الرد على المخالف الموجب للوتر: "وقد صح عن

الصفحة 187