كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

وخبره: مَن يخبر بكون الشيء، ويشهد على رؤية الشيء وسماعه، لا من ينفي كون الشيء وينكره، ومن قال: لم يفعل فلان كذا؛ ليس بمخبر ولا شاهد، وإنما الشاهد من يشهد ويقول: رأيت فلاناً يفعل كذا، وسمعته يقول كذا، وهذا لا يخفى على من يفهم العلم والفقه، وقد بينت هذه المسألة في غير موضع من كتبنا.
وتوهم بعض من لم يتبحر العلم: أن خبر الحارث بن عبيد، عن مطر، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل مند تحول إلى المدينة؛ حجة من زعم أن لا سجود في المفصل، وهذا من الجنس الذي أعلمت أن الشاهد من يشهد برؤية الشيء أو سماعه؛ لا من ينكره ويدفعه، وأبو هريرة قد أعلم أنه قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} بعد تحوله إلى المدينة؛ إذ كانت صحبته إياه إنما كان بعد تحول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة لا قبلُ".
وقد تبع أبو بكر ابنُ المنذر أبا بكر ابنَ خزيمة في تعليله خبر أبي قدامة هذا، وترجم له بنفس ترجمته، ثم قال: "وحديث الحارث بن عبيد، عن مطر، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة:
حديث قد تُكُلم في إسناده، ولو ثبت لكان أبو هريرة في موضع شاهد، وابنُ عباس في موضع نافٍ لشيء، والشاهد المخبر أولى من الشاهد النافي الذي ليس شاهداً مخبرًا" [الأوسط (٥/ ٢٧١) (٥/ ٢٧٨ - ط الفلاح)].
وقال الطحاوي في شرح المعاني (١/ ٣٥٧): "ورووا ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من طريق ضعيف، لا يثبت مثله".
وقال في المشكل (٩/ ٢٤٣): "فوقفنا بما قد رويناه عن أبي هريرة على سجوده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر سجوده معه فيه من المفصل، وإنما كانت صلاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبته إياه بالمدينة لا بمكة".
ثم قال (٩/ ٢٤٥): "فكان ما رويناه عن أبي هريرة من هذا يخالف ما رويناه عن ابن عباس فيه؛ لأن الذي رويناه عن ابن عباس فيه إخباره بترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود في المفصل بعد أن قدم المدينة، وفي هذا سجوده فيه بعد أن قدم المدينة، وكان هذا عندنا أولى؛ لأن إثبات الأشياء أولى من نفيها، وقد يجوز أن يكون ابن عباس قال من ذلك ما رويناه عنه؛ لأنه لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله بعد أن قدم المدينة، وكان من ذكر أنه فعله بعد أن قدمها أولى" [وانظر أيضاً: شرح المعاني (١/ ٣٥٧)].
وقال البيهقي في السنن: "وهذا الحديث يدور على الحارث بن عبيد أبي قدامة الإيادي البصري، وقد ضعفه يحيى بن معين، وحدث عنه عبد الرحمن بن مهدي، وقال: كان من شيوخنا، وما رأيت إلا خيرًا، والله أعلم، والمحفوظ عن عكرمة، عن ابن عباس ... "، فأسند حديث: أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالنجم فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، ثم قال: "رواه البخاري في الصحيح عن

الصفحة 42