كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 17)

وكل هذه الآثار صحاح عن ابن عباس، تقدم تخريجها تحت الحديث رقم (١٤٠١).
* فإن احتج محتج على عدم السجود في المفصل بما ثبت:
عن ابن قُسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت، قال: قرأتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجمَ، فلم يسجد فيها [متفق عليه، وهو الحديث الآتي].
فقد قال أبو داود: "كان زيدٌ الإمامَ فلم يسجد فيها" [السنن (١٤٠٥)].
وقال الطحاوي في المشكل (٩/ ٢٤٧): "فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عَزّ وَجلّ وعونه: أنه لا دلالة له فيما ذكر أيضاً على نفي السجود من المفصل، وإن كان الذي كان من زيد بن ثابت أيضاً بالمدينة؛ لأنه قد يجوز أن يكون كان ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود فيها حينئذ كان لمعنى منعه من ذلك؛ إما لأنه كان في وقت لا يصلح السجود فيه من الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها؛ أو لأنه كان على غير طهارة من حدث كان منه؛ أو لأن التالي لسجدة قد كان له السجود فيها والترك لها، كما قد كان على ذلك غير واحد من أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، منهم: سلمان الفارسي".
وقال في الشرح (١/ ٣٥٢): "وليس في هذا الحديث دليل عندنا على أنه لا سجود فيها، لأنه قد يحتمل أن يكون ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود فيها حينئذ؛ لأنه كان على غير وضوء فلم يسجد لذلك، ويحتمل أنه تركه لأنه كان في وقت لا يحل فيه السجود، ويحتمل أن يكون تركه لأن الحكم كان عنده في سجود التلاوة: أن من شاء سجد ومن شاء تركه، ويحتمل أن يكون تركه لأنه لا سجود فيها".
ثم قال بعدُ في المشكل (٩/ ٢٤٨): "وإذا احتمل أن يكون ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود فيها لمعنى من هذه المعاني التي ذكرناها، لم يكن في حديث زيد بن ثابت هذا حجة لمن ترك السجود فيها، ولا دفع أن يكون فيها سجدة، وكان ما رويناه عن أبي هريرة ثابتًا به سجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر سجوده فيه بالمدينة أولى منه، ومن حديث ابن عباس الذي ذكرناه عنه قبله، والله نسأله التوفيق".
وقال البيهقي (٢/ ٣١٣): "ويحتمل أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما لم يسجد؛ لأن زيداً لم يسجد، وكان هو القارئ، والله أعلم".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ٥٠٥): "وهذا لا حجة فيه؛ لأن السجود ليس بواجب عندنا، ومن شاء سجد ومن شاء ترك، على أن زيداً كان القارئ ولم يسجد، فلذلك لم يسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: وإنما يحتج بحديث زيد هذا في القول بعدم وجوب سجود التلاوة:
قال الشافعي في اختلاف الحديث (٤٧): "وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم وترك"، ثم قال: "وفي النجم سجدة، ولا أحب أن ياع شيئاً من سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض"، ثم أطال الكلام فيه، وكان مما قال: "وأما حديث

الصفحة 45