كتاب فقه النوازل (اسم الجزء: 1)

في الإلزام بالحكم يحتاج إلى إيضاح وجهه بالدليل.
وبإيضاح وجه هذا يتضح وَجْهُ أعظم الدواعي للتدوين مع العلم بأن
بعض أهل العلم يمنع هذا النوع من التعليم، فلا يجيزون للقضاة الفتوى
للناس في شيء من الأحكام التي من شأنها أن تعرض بين يدي الحكام
لأجل التحاكم فيها معللين ذلك بأن معرفتهم لما عند الحكام قبل التحاكم
عون لهم على الفجور والحيل، لأن الخصم إذا عرف ما يحكم به الحاكم
للخصم وما يحكم به عليه، أعانه ذلك على التوصل إلى الحكم بالباطل
والحيل، وهذا هو مذهب مالك ونقل عنه غير واحد أنه ممنوع. وقيل عنه:
إنه مكروه، وسوى بعضهم بين المنع والكراهة. ولم نعلم أحداً روى عن
مالك جواز هذا النوع من التعليم. ولم نعلم أحداً من أصحابه أجازه إلا
ابن عبد الحكم. وحمل بعضهم قول خليل في " مختصره ": ولم يفت في
خصومه على الكراهة مع اعترافه بأن ظاهر كلامه المنع. وهو الذي جزم
به ابن عاصم الغرناطي في " تحفته " بقوله:
ومنع الإِفتاء للحكام ... في كل ما يرجع للخصام
وقال شارحه التاودي في شرحه المسمى " مجلي المعاصم لبنت فكر
ابن عاصم " ما نصه:
(أي منع إفتاء الحكام في كل ما من شأنه أن يرجع للخصام من أبواب
المعاملات لما فيه من تعليم الخصوم وإعانتهم على الفجور لا في أبواب
العبادات أو لمتفقه) . انتهى.
وعبارة غيره: ولا يفتى في الخصومة، وهو لمالك وسحنون. وقال ابن
عبد الحكم: لا بأس به، وبه العمل. وظاهر المصنف المنع، وأنه على

الصفحة 39