كتاب فقه النوازل (اسم الجزء: 1)

وذهب بعض الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد والشافعي إلى أنه يكره
للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به، دون الطهارة والصلاة
والزكاة ونحوها، واحتج أرباب هذا القول بأن فتياه تصير كالحكم منه على
الخصم، ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة. قالوا: ولأنه قد يتغير اجتهاده
وقت الحكومة أو تظهر له قرائن لم تظهر له عند الإفتاء فإن أصر على فتياه
والحكم بموجبها حكم بخلاف ما يعتقد صحته. وإن حكم بخلافها طرق
الخصم إلى تهمته والتشنيع عليه بأنه يحكم بخلاف ما يعتقده ويفتي به،
ولهذا قال شريح: أنا أقضي لكم ولا أفتي، حكاه ابن المنذر، واختار
كراهية الفتوى في مسائل الأحكام. وقال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني:
لأصحابنا في فتواه - أي القاضي - في مسائل الأحكام جوابان؛ أحدهما:
أنه ليس له أن يفتي فيها، لأن لكلام الناس عليه مجالاً، ولأحد الخصمين
عليه مقالاً. والثاني: له ذلك؛ لأنه أهل له) . انتهى.
رابعاً: أما أن التقنين الملزم به يكون اختيار أحكامه باتفاق أكثر
مجتهدي العصر فيكتسب الإجماع فيقال: إن الإجماع لا ينعقد بقول
الأكثرين من أهل العصر في قول جمهور أهل العلم. قال ابن قدامه رحمه
الله تعالى (1) :
فصل: ولا ينعقد الإجماع بقول الأكثرين من أهل العصر في قول
الجمهور، وقال محمد بن جرير وأبو بكر الرازي وقد أومأ إليه أحمد رحمه
الله تعالى.
ووجهه: أن مخالفة الواحد شذوذ، وقد نهى عن الشذوذ، وقال عليه
__________
(1) روضة الناظر، ص: 71.

الصفحة 41