كتاب فقه النوازل (اسم الجزء: 1)

الذي أنزله على رسوله متسببون بذلك في توجيه أنواع الشتائم وفنون الأذى
من كل من يتحاكمون إلى الطاغوت وهم سكان المعمورة في جميع
نواحيها إلا من شاء الله، فهم جديرون جداً بالاستعداد الكامل للصبر
الجميل الذي لا تزعزعه عواصف الباطل ولهم بذلك أعظم الأجر عند الله
وأحسن الأسوة في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في صبرهم على أذى المشركين
واليهود كما قال تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} ...
وإن كان أولئك الباريزيون قالوا إن محاكم فرنسا أعدل من محاكم
المسلمين، فللمسلمين أسوة حسنة في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حين قال اليهود
إن كفار مكة المكرمة أهدى منهم سبيلاً وأنزل الله في ذلك قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} .
والواقع يشهد بكذب دعوى هؤلاء المتحاكمين إلى محاكم باريس كما
يشهد به جميع من لم يكتم الحق في جميع نواحي المعمورة، لأن بلاد
هذه المحاكم التي نفوا ضمان العدل عنها يوجد فيها من العدالة والطمأنينة
الكاملة على حفظ الأنفس والعقول والأنساب والأموال والأعراض ما لا
يوجد معشار عشره في باريس ولا في غيرها، وفي كل موسم حج تأتي وفود
الحجيج من جميع أقطار الدنيا، وكثرة أعدادهم الهائلة لا يخفى، فيسعهم
جميعاً العدل والإنصاف والرخاء والطمأنينة، وحفظ جميع ما يهمهم، وذلك
كلّه بفضل الله ثم بعدالة هذا النظام السماوي الذي تسير عليه هذه البلاد
التي زعم الباريزيون أن العدل أقرب في محاكم باريس منه في محاكمها.
انتهى.

الصفحة 47