كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

فإن كان لا تشويه في الخلق حرم تغييره، وهو من عمل الشيطان (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء: 119)، ولهذا لعن المتنمصات والفالجات (¬1).
ولا يخلو الطبيب بامرأة أثناء المعاينة إلا بمحرمها (¬2)، أو دخول نساء ثقات معها (¬3).
وعند إجراء العمليات تزول الخلوة بحضور مساعدي الطبيب.
ولا تتناول أدوية على خلاف الطبيعة والجبلة كدواء رافع للنوم، أو عكسه إلا اضطرارا بإذن طبيب؛ لأن حفظ الفطرة مقصد شرعي (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
فجعل حفظ الفطرة والخلقة والجبلة من الدين وتبديلها خلافه.
ولأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4)، (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار: 7). وهذا عام فيشمل كل إنسان كلا وجزءا، فتعديل شيء منه خروج عن أحسن تقويم وتعديل إلى خلافه، والخروج عنه لا يكون إلا إلى الضرر، ولا يجوز إلا لعلاج ضرر (¬4).
¬_________
(¬1) - قولنا «ولهذا لعن النامصات والفالجات»، اللعن وارد في صحيح البخاري برقم 5939، وهو في مسلم برقم 5695، من حديث عبدالله بن مسعود، قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. وهذا لفظ مسلم.
(¬2) - قولنا «إلا بمحرمها» لعموم النصوص في النهي، ولا يرخص في الخلوة في حال إلا حال الضرورة. وقد مثلها العلماء كالأسيرة أو الهاربة من بلاد الكفار أو الهاربة من مكان مخوف فلقيها أجنبي عدل فأوصلها محلها. انظر فتح الباري (9/ 331) وشرح ابن بطال (3/ 80)، وعمدة القاري (3/ 17) وحاشية السندي على البخاري (3/ 99). وشرح القاضي عياض على مسلم في (4/ 234). وفي شرح القرطبي على مسلم في باب «النهي عن المبيت عند غير ذات المحرم» وقد نقل العلماء الإجماع على أنه إذا خلى الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما أنه حرام باتفاق العلماء. قاله النووي في شرحه على مسلم في (5/ 4). وراجع ما قاله ابن عبدالبر في الاستذكار (5/ 113) و (9/ 355).
(¬3) - قولنا «أو دخول نساء ثقات معها»، قلت هذا تخريجا على مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، انظر «الفواكه الدواني» (2/ 410) ومغني المحتاج (3/ 133) ومطالب أولي النهى (5/ 12).
(¬4) - وقولنا «ولا يجوز إلا لعلاج ضرر»: مثاله التخدير العام أو الموضعي ممنوع، إلا لعلاج ضرر بإجراء العملية الجراحية.

الصفحة 101