كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

والسحر: تخييل لا حقيقة، وقد خيل لموسى (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) (طه: 66)، (قَالَ أَلْقُوْا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: 116).
ولما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المعوذات بطل الذي رآه من السحر كما رأى موسى سحر السحرة وأبطله لما ألقى عصاه.
فلم يسحر موسى ولا محمد صلى الله عليه وسلم بل رأيا السحر، وأوجس موسى خيفة، ولم يوجس محمد صلى الله عليه وسلم، وحديث البخاري في سحره صلى الله عليه وسلم يوافق الآية في أنه رؤية للسحر لا أنه أثر على عقله.
وحد الساحر ضربة بالسيف بالنص (¬1).
¬_________
(¬1) - قولنا «حد الساحر ضربة بالسيف بالنص» أخرجه الترمذي عن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وضعفه بإسماعيل بن مسلم المكي، وأخرجه الدارقطني من نفس الطريق برقم 3204، والبيهقي برقم 16942 وقال: إسماعيل بن مسلم ضعيف. وأخرجه الحاكم برقم 8073 ط/ دار الكتب العلمية وصححه، وقال الذهبي: صحيح غريب. قلت: وقد وجدت متابعة في معرفة الصحابة لأبي نعيم برقم 1492 (5/ 47) قال: حدثناه أبو عمرو بن حمدان: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا مخلد بن مالك، نيسابوري، ثقة، ثنا سعيد بن محمد الوراق، ثنا خالد بن عبيد الباهلي، مولى الباهلة، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: جاء جندب وقوم يلعبون ويأخذون بأعين الناس يسحرون، قال: فضرب رجلا منهم ضربة بالسيف فقتله، فرفع إلى السلطان وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «حد الساحر ضربة بالسيف» رواه أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن جندب. قلت: هذه متابعة لا بأس بها، سعيد بن محمد وخالد صالحان في الشواهد، وعليه فالحديث حسن لغيره. قلت: ولم يتنبه الألباني عليه رحمة الله تعالى لهذه المتابعة في السلسلة الضعيفة وإلا لحسن الحديث كما هو معلوم. وأما إعلاله في السلسلة الحديث بعنعنة الحسن البصري فليس بشيء؛ لأنه من المرتبة الثانية التي ذكرها الحافظ ولا تضر عنعنتهم، ولو سلمنا أنه مرسل لما كان علة قوية قادحة تبعا للأئمة الكبار الذين قبلوها كما قال ابن القطان أن مراسيله جيدة. وقال أبو زرعة أنه وجد لها أصلا ثابتا سوى أربعة أحاديث. وقال علي بن المديني: مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ما أقل ما يسقط منها. قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (1/ 544) ط/ الرشد: هذا يدل على أن مراسيل الحسن أو أكثرها عن الصحابة. قلت: وهؤلاء الأئمة الكبار كفاية في اعتماد مراسيل الحسن، وضعفها قوم آخرون والحاصل أن الحديث حسن بهاتين الطريقين .. ويدل على ثبوته أنه عمل به الخلفاء الثلاثة الراشدون عمر وعثمان وعلي (مسند زيد بن علي 509) وابن عمر وجندب وجماعة من الصحابة، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق كما نقله عنهم ابن المنذر في الإقناع صـ 147 - ط/ دار الكتب العلمية -بيروت. والله تعالى أعلم.

الصفحة 105