كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

ومقدارها الأعلى الثلث لصراحة النهي عن ما فوقه «أتصدق بالنصف؟ قال: لا. قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير» (¬1).
والوصية للوالدين جائزة للنص القطعي في الآية، وللأقربين، ويشترط في الأقربين كونهم غير ورثة لحديث «لا وصية لوارث» (¬2) وإنما استثنينا الوالدين تقديما للخاص على العام والقطعي على ما سواه.
¬_________
(¬1) - قولنا «لصراحة النهي عن ما فوقه» دليله ما أخرجه البخاري برقم 2743 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو غض الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير، أو كبير. وهو متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص في البخاري برقم 2744 ومسلم برقم 4296، ولفظه: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال «لا». قال: قلت أفأتصدق بشطره؟ قال «لا الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك». قال: قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي. قال «إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغى به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد ابن خولة». قال رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفى بمكة.
(¬2) - حديث «لا وصية لوارث»، قلت: هو حديث حسن صحيح رواه عدة من الصحابة، فقد أخرجه الإمام أبو داود بسند حسن برقم 2872 عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث». وإنما حسنا الحديث لحال إسماعيل بن عياش الراوي له عن شرحبيل بن مسلم فإنه حسن الحديث في الشاميين، وشرحبيل شاميّ. وأخرجه الترمذي من نفس الطريق وقال حديث حسن صحيح. وأخرجه الترمذي برقم 2121 من حديث عمر بن خارجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها وأن لعابها يسيل بين كتفي فسمعته يقول: إن الله أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوراث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلا. قال: وسمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: لا أبالي بحديث شهر بن حوشب. قال وسألت محمد بن إسماعيل عن شهر بن حوشب فوثقه وقال إنما يتكلم فيه ابن عون ثم روى ابن عون عن غير هلال بن أبي زينب عن شهر بن حوشب. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. قلت: شهر ابن حوشب وثقه كذلك ابن معين ويعقوب والعجلي وأحمد في رواية، وفي رواية لا بأس به. وكذا قال أبو زرعة الرازي، وتشدد ابن حزم فقال: ساقط. وجملة كلام أهل العلم فيه جمعها الحافظ فقال: صدوق كثير الإرسال والأوهام. انتهى. وقول الترمذي حسن صحيح إنما هو جمع بين رتبتي الحسن والأوثقية، أو باعتبار شاهد الحديث السابق والله أعلم. وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه عند ابن ماجة برقم 2714 وسنده صحيح.

الصفحة 108