كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

ومن أغمي عليه صلاها إذا أفاق لحديث «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» (¬1).
ولا فارق معتبرٌ بينهما؛ إذ هما يجتمعان في المفردات وبمعرفتها -أي المفردات- يُعرَّف النوم والإغماء.
فالنوم: ذهاب التعقل وخمول الحس والحركة طبيعة مع بقاء الحياة.
والإغماء: ذهاب التعقل وخمول الحس والحركة مع بقاء الحياة لطارئ.
وقلنا «لطارئ» ليشمل سائر الطوارئ كالمرض، أو الإعياء، أو حصول صدمة نفسية لخبر سيء مع قلة صبر.
وقلنا «ذهاب التعقل» ولم نقل خموله؛ لأن الخمول قد يحصل في خفيف نعاس أو الشعور بإعياء أو دوار ودوخة.
وذهابه إنما يكون بالنوم المستغرق، أو الإغماء.
وقلنا «خمول الحس والحركة» ولم نقل ذهاب؛ لأن حركة حس النائم والمغمى عليه باق في أدنى درجاته ولا تذهب إلا لموت.
والنوم كالموت إلا ببقاء الحياة (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام: 60)، فسمى النوم وفاة.
وسماه كذلك موتا (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر: 42)، أي يتوفاها حين نومها فيقبضها قبضا نهائيا لمن حضر أجله وقضى عليه بالموت، ويرسل الأخرى التي لم يكتب عليها الموت في النوم إلى أجل.
فالفرق بين النوم والموت هو القبض التام، ولا فرق بينه وبين الإغماء سوى أن الإغماء طارئ.
¬_________
(¬1) - حديث «من نسي صلاة .. » متفق عليه أخرجه البخاري برقم 597 ومسلم برقم 1598 واللفظ له عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك». قال قتادة (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه: 14).

الصفحة 110