كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

والطارئ نادر خارج عن العادة فلا ينفرد بحكم، فحكمه حكم النوم.
وطول الوقت ليس بفارق؛ لأن الإغماء الطويل الخارج عن العادة كشهر كالنوم الطويل الخارج عن العادة كشهر لمرض معروف (¬1).
وكلاهما نادر جدا؛ لأن الإغماء -عادة- دقائق معدودة، ويندر ساعة فما فوقها، فيبقى حكم النوم على أصله، ولو طال لطارئ، وحكم الإغماء كالنوم ولو طال لطارئ.
والنوم المستغرق على العادة ناقض للوضوء «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» (¬2).
وهذه العلة المنصوصة جارية في الإغماء بلا فرق.
وقلنا «النوم المستغرق على العادة»؛ لثبوت نعاس الصحابة في المسجد انتظارا للإقامة وقيامهم بعده إلى الصلاة بلا وضوء (¬3)، فدل على أنه غير مستغرق.
وقلنا «على العادة»؛ ليخرج نوم الجالس ولو مستغرقا؛ لأن العلة في الحديث «العين وكاء
¬_________
(¬1) - هو مرض تنقله ذبابة تسمى «تسي تسي» تعيش في بعض الأماكن من أفريقيا ويدخل المصاب في نوم.
(¬2) - حديث «العين وكاء السه .. » أخرجه أبو داود برقم 203 من حديث علي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ». وسند أبي داود حسن في الشواهد والمتابعات وقد أعل ببقية بن الوليد عن الوضين بن عطاء. قلت: أما الوضين فأبو داود نفسه إنما أخرج له لأنه قال فيه صالح الحديث. وقال أحمد ثقة ومرة ليس به بأس. وقال الذهبي ثقة وبعضهم ضعفه. وقال دحيم ثقة. وقال يحيى بن معين ثقة ومرة لا بأس به. وذكره ابن شاهين وابن حبان في الثقات. وقال الجرجاني ما أرى بأحاديثه بأسا. وقال أبو حاتم الرازي تعرف وتنكر. قلت: فلا ينزل حديثه عن درجة الحسن إلا إن كان له علة أخرى. وأما بقية فالخلاصة ما قال الحافظ فيه أنه صدوق كثير التدليس على الضعفاء. قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات، وقد أعل قوم الحديث بالانقطاع بين عبدالرحمن بن عائض عن علي قال الرازيان لم يدركه. إلا أن ابن حبان رحمه الله تعالى نقل عن البعض أنه لقيه والأكثر الأول. قلت: هذه العلة لا تؤثر خاصة وأن عبدالرحمن بن عائض مذكور في الصحابة. كما نقل عن البخاري نقله الحافظ ابن حجر في الإصابة وتعقبه. وللحديث شاهد من حديث معاوية وهو قريب في الإسناد منه فيشهد أحدهما للآخر. وقد أخرجه الدارقطني في السنن برقم 597 وفيه ابن أبي مريم ضعفوه وأعل بغير ذلك إلا أنه صالح كشاهد. فالراجح عندي أن الحديث حسن. وقد اطلعت على تحسين ابن الصلاح والنووي له كما في فتح الغفار (3/ 85) ط/ دار عالم الفوائد، ثم الألباني في صحيح الجامع برقم 7598. وأكثر علماء الحديث على تضعيفه.
(¬3) - قولنا «بلا وضوء» أخرجه مسلم برقم 861 عن أنس، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون.

الصفحة 111