كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

بجميع الحواس لكن على غير الحقيقة العادية، فدل على خلل في العقل.
وقولنا «هو مرض»؛ لأنه على خلاف أصل الخلقة، وما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواءً.
أما السُّكْر: فهو اضطراب التعقل لطارئ بسبب محرم كخمر ومخدر، ولذا قال تعالى (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج: 2)، مع وجود عقولهم لكن اضطرب تعقلهم أول الأمر لشدة هول الساعة، فهم سكارى في التصرف لكن حقيقة ليسوا كذلك.
فالسكران كالمجنون، ويفارقه بأنه مُسَبَّبٌ مؤقت مع سلامة عقله.
والمجنون غير مكلف لعلة اضطراب عقله وتعقله.
والسكران مكلف بالعبادات؛ لبقاء عقله، لا بالإنشاءات كالنائم والمغمى عليه.
فالنائم لو طلق، أو باع، أو تبرع، أو نطق بكفر فكله لغو وهذيان، ومثله السكران.
وأما المُتْلَفَات فهي مضمونة ولو على مجنون.
فالمجنون قتله خطأ تحمله معه العاقلة، ولا صوم عليه للكفارة؛ لارتفاع تكليفه، ولا يمكن إسقاط تضمين الدية لعلة الجنون؛ لأنه حينئذ إهدار لدمٍ، وهو لا يهدر بحالٍ، وإنما حملته معه العاقلة؛ لأنه في حكم الخطأ؛ لعدم إمكان إجراء حكم العمدية عليه؛ لأن الصارف في المجنون عن الحكم عليه بالعمدية أقوى وأولى من الصارف في عاقل مكلف مدعٍ للخطأ على خلاف الأصل، إذ الأصل العمدية، والناقل عنه البينة المعتبرة.
والسكران: الأصل بقاء عقله فإتلافاته عمد في الأموال والأنفس؛ لأن سكره دعوى؛ فإن قطع به بشهادة عدول أثبات فيحد، ويضمن الدية، ويجوز تغليظها عقوبة، ودفعا للفتنة.
أما انحراف التعقل عن الحقائق فهو الضلال، وهو غير الأقسام السابقة وصارت به خمسة أقسام: النائم، والمغمى، والمجنون، والسكران، والضال.
ويمكن هنا صياغة ضابط لجميع الحالات، وهو: اختلال العقل والتعقل يرفع التكليف قضاء وأداء وهو الجنون، واختلال التعقل مع سلامة العقل لا يرفع التكليف كالنائم والناسي والمغمى والسكران، فلزمهم القضاء.

الصفحة 114