كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وإرجاع يد سارق قطعت في سرقة بحدٍ لا شبهة فيه لا يجوز؛ لأنه خلاف مقصد الشرع من النكال به (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38).
ويحتمل الجواز؛ لأنه مداواة وهي جائزة في قصاص الجروح بعد الاقتصاص بالمثل، ولأن النكال وقع بمجرد القطع، فالمداواة لم تعارض مقصدا ووافقت مثلا مشروعا في مداواة القصاص في الجرح.
والاستنساخ محرمٌ لما فيه من تغيير الخِلقة والعبث بها ولما يؤدي إليه من مفاسد كارثية على البشرية، وما أدى إلى ذلك فهو محرمٌ؛ لأنه من الفساد في الأرض.
ويستثنى من ذلك حالة الاستنساخ العلاجي الذي لا ضرر فيه على أصل الخِلقة البشرية.
والأصل أن حكم الاستنساخ هذا -أعني التحريم- جارٍ في الاستنساخ البشري أو الحيواني؛ لأن من مقصودات الشرع الحنيف حفظ خلق الله على أصل خلقتها بالنص.
والهندسة الوراثية لمعرفة الداء والدواء علم نافع من الطب، فجاز ويحرم استعماله في تغيير الخلقة عن طبيعتها؛ لعموم (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
فحرم تغيير الخلق وأكده بأن هذا الحكم هو الدين القيم.
وجعل تغيير الخلق من فعل الشيطان (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء: 119).
والنهي عن النامصة والفالجة والواصلة من هذا الباب (¬1).
ومعرفة النسب لمتنازع بين أطراف يدّعونه جائز بالقيافة (¬2).
¬_________
(¬1) - النامصة: هي من تزيل شعر حاجبيها لتحديده، والفالجة: من تحدد أسنانها تجملا، والواصلة: من تصل شعر رأسها بغيره تزويراً، وقد تقدم تخريج الحديث.
(¬2) - قولنا جائز بالقيافة» فيه حديث متفق عليه (البخاري برقم 6770، ومسلم برقم 3690) عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال «ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض». وقد بوب البخاري باب «القائف». قال العلماء: =

الصفحة 116