كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

يخدم حفظ العرض، ولأن ذهابها ليس قصدا، بل تبعا لا للغزو.
ولو كان قصدا لغزت النساء وتسابقن على ذلك، بل قصد الشرع بالنص ترك تكليفهن بذلك لما أردنه، فقال صلى الله عليه وسلم: «جهادكن الحج» (¬1).
فذهاب بعضهن مع هذا نادر متطوع به تبع لا أصل، وهذه أمور مؤثرة في الفتوى؛ لاشتراط تساوي الفرع والأصل عند القياس، فإذا اختلفا -كما هنا- لم يصح القياس.
فلا يقاس إلا بمطابقة الفرع للأصل، وأين هذا من هذا؟
وغاية ما يستدل به هو جواز خروج المرأة مع زوجها الغازي إن أُمِنَ عليهن من نحو أسر العدو.
فلا يدل هذا الدليل على ممارسة الدعوة من المرأة لعامة الرجال في مجالسهم ومحافلهم ومجامعهم، لا بعموم، ولا بدلالة قياس.
ولهذا كله اختلفت بيعة الرجال عن بيعة النساء؛ فإن بيعتهن بيعة أخلاقية (¬2)، وبيعتهم بيعة نصرة، وحماية، وبلاغ، وسمع، وطاعة في المنشط والمكره (¬3).
وهذا يدل على أنه لا فرض عليهن في ذلك.
واشتراك ذكور وإناث في حلقة واحدة أو نحوها في تنظيم لجماعة أو حزب محرم؛ لأنه يعود على أصل حفظ العرض بالخلل والإبطال فبطل، ولا يفعله إلا زائغ مائل عن الصراط المستقيم (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) (النساء: 27).
¬_________
(¬1) - حديث «جهادكن الحج» أخرجه البخاري برقم 2875 عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد. فقال «جهادكن الحج».
(¬2) - قولنا «بيعة أخلاقية» ورد النص فيها آخر سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الممتحنة: 12).
(¬3) - قولنا «وبيعتهم بيعة نصرة .. » لحديث عبادة بن الصامت في الموطأ برقم 960 ط/ دار إحياء التراث العربي، وهو في صحيح البخاري برقم 7055 ومسلم برقم 4874، عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.

الصفحة 128