كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث كانوا يبدءون بالسلام فيقولون: السام، فنهى عن البدء بالسلام لذلك معاملة بالمثل؛ لأن الله يقول (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: 40)، وورد في الصحيح صفة الرد عليهم في هذه الحالة بعينها بقوله «وعليكم».
وبِدءٌ بالتحية جائز، وهي غير السلام والنهي وارد فيه، وقد يجوز البدء بالسلام كما قدمنا لحديث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء على حمار فسلم وكان في القوم مسلم وكافر ومنافق» (¬1).
¬_________
= النووي في شرحه على مسلم (7/ 296): اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا. انتهى. ونقل عن القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعي، وعن الأوزاعي أنه قال إذا سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون. انتهى. وهذا يدل على ما قدمنا من أن الابتداء بالسلام يجوز وهو في عصرنا هذا حيث يلقى الإسلام تشويها القول الأولى؛ لأنه يؤدي إلى مصالح كثيرة من التعريف بالإسلام ونشر محاسنه.
(¬1) - قال النووي في شرحه لمسلم (7/ 296): ويجوز الابتداء بالسلام على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكفار. انتهى كلامه. وقيده بقوله «ويقصد المسلمين». قلت: وليس في الحديث ما يدل على هذا القيد إلا النص السابق «لا تبدءوهم بالسلام»، وعلته فيما أراه هي أنهم كانوا يقولون تحريفا «السام عليكم» فمنعنا من الابتداء؛ لأنه إن بدأنا بقولنا «السلام عليكم» فردهم كان بحذف اللام «وعليكم السام» وإن رددنا عليهم وابتدءونا هم بقولهم «السام عليكم» فالجواب «وعليكم» لا أنه على كل حال يمنع بدؤهم بالسلام بل لعلة ذلك الوضع، لأنها من الجزاء بالمثل (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: 40)، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194)، فإن لم يحصل ذلك رجعنا إلى الأصل وهو (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) (الممتحنة: 8) وهذا عموم يدخل فيه السلام وغيره وهو أصل من الأصول الشرعية في التعامل .. وأما الحديث الذي في الباب فهو في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما (البخاري رقم 4566، ومسلم رقم 4760) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال: حتى مر بمجلس فيه عبدالله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبدالله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبدالله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبدالله بن أبي بن سلول أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذينا به في مجلسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبدالله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له =

الصفحة 135