كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

أو الهاربة إليهم مفارقة لزوجها المسلم، وهذا ما تحمل عليه آية الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ) (الممتحنة: 10 - 11).
والنهي الصريح في البقرة (وَلاَ تَنكِحُوا) هو في الابتداء؛ لأن النكاح عقد.
ولأن من أسلم من الصحابة لم يؤمر بطلاق، وكذا من أسلمت، ولم يؤمر ولم ينه عن مسها في كافة الصور إلا في صورة الهاربة من الكفار.
فيحمل حديث زينب مع زوجها «لا يخلص إليك»، على الإرشاد أو على صورة الهاربة من الكفار، وكم أسلم من العرب من الرجال ورجعوا إلى أهلهم ولم يؤمروا بطلاق، ولا عدم مسيس، فالنهي في قوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الممتحنة: 10) يُحْمَلُ على كل امرأة فرت من زوجها المسلم إلى بلاد الكفر كافرة، أو رفضت الهجرة الشرعية معه، أو آثرت نصرة أهل الحرب، وظاهرتهم فكانت معهم.
ويحمل: (وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشِرِكِينَ) على الابتداء.
هذا ما تجتمع به النصوص، والله أعلم.
ومن أسلم فمات مُورِّثُه الكافر وَرِثَه على الأصل.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك مقاسم الجاهلية على ما قسمت (¬1)، فيعاملون على قوانينهم، ولأن الصحابة ورثوا أقاربهم من الكفار (¬2).
¬_________
(¬1) - قولنا «ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك مقاسم .. » أخرجه أبو داود برقم 2916 بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم له وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام».
(¬2) - قولنا «ولأن الصحابة ورثوا أقاربهم من الكفار» قال الحافظ في الفتح (8/ 14) في شرح «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور»: وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين. انتهى. وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الإسلام لأن أبا طالب مات قبل الهجرة ويحتمل =

الصفحة 139