كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

زينة المرأة ويدفع عنها الأذى فهو مقصود بالحجاب.
فالحجاب ما ستر الزينة ودفع الإيذاء عن المرأة (¬1).
والاستثناء بـ (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور: 31)؛ ليخرج كل ما لا يمكن إخفاؤه من طول وقصر أو صوت بحسبه.
ولفظ (ظَهَرَ) يدل على ظهوره بنفسه بلا إظهار، وهو غير لفظ «إلا ما أظهرن»؛ لأنه يعيد فعل الإظهار إليها.
فإذا جعلنا الإظهار عائداً إلى اختيار المرأة بطل الحجاب لإمكانها إظهار أخص فتنتها من صدر وعنق وبين سرة وركبة.
فلزم أنّ (ظَهَرَ) هو: ما ظهر بنفسه، إما: بلا عمد، أو ما لا يمكن إخفاؤه من طرف ثوب وكم وبنان وعين؛ لتعسر ذلك.
والوجه إن جرت العادة على كشفه جاز؛ لاحتمال دخوله في الاستثناء، فإن فتنت به حرم كما تقتضيه مقاصد التشريع.
أما غير ذلك من شعر وساق ونحر ونحوه فهو منهي بالنص العام المشدد «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها العنوهن فإنهن ملعونات» (¬2).
¬_________
(¬1) - قولنا «ما ستر الزينة ودفع الإيذاء» هذا ما أخذناه من (وَلا يُبْدِينَ)، وآية (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59)، فهذا الضابط الثنائي هو ما نراه جامعا مانعا، وإن لم ينص عليه أحد فيما طالعنا إلا أنه مفاد الآيتين وبه يعلم أن للمرأة حرية ما تلبس بحسب عرفها ووصفها، بشرطين ضابطين: إخفاء الزينة، ولبس يدفع إيذاءها، فمواضع الزينة معلومة بالفطرة والديانة، وما دفع الإيذاء معلوم كذلك.
(¬2) - أخرجه مسلم برقم 5704 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا». وفي رواية أحمد «العنوهن فإنهن ملعونات» قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ورجال أحمد رجال الصحيح. قال النووي في شرحه على مسلم (9/ 240): هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة. =

الصفحة 141