كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

فالكاسية العارية هي من عليها مسمى كساء لكنه في حكم العري؛ لضيقه فيظهر تفاصيل مقاطع فتنتها؛ أو لقصر؛ وتقطيع فيظهر ساق وصدر ونحر وغيره.
أما رؤوسهن فحجمها أو شكلها، أو شعرها من ظفائر وخصلات ونحوه للنص «رؤوسهن» وما في معنى النص.
أما العنق والصدر فقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31). فدل على تغطية الرأس والصدر والرقبة والنحر.
وأما القدم فنُهِىَ عن الضرب بها حتى لا يسمع صوت زينة خفية كخلخال وضع فوق الكعبين.
¬_________
= أما (الكاسيات) ففيه أوجه أحدها: معناه: كاسيات من نعمة الله، عاريات من شكرها، والثاني: كاسيات من الثياب، عاريات من فعل الخير والاهتمام لآخرتهن، والاعتناء بالطاعات. والثالث: تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها، فهن كاسيات عاريات. والرابع: يلبسن ثيابا رقاقا تصف ما تحتها، كاسيات عاريات في المعنى.
وأما (مائلات مميلات): فقيل: زائغات عن طاعة الله تعالى، وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها، ومميلات يعلمن غيرهن مثل فعلهن، وقيل: مائلات متبخترات في مشيتهن، مميلات أكتافهن، وقيل: مائلات يتمشطن المشطة الميلاء، وهي مشطة البغايا معروفة لهن، مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة، وقيل: مائلات إلى الرجال مميلات لهم بما يبدين من زينتهن وغيرها.

وأما (رءوسهن كأسنمة البخت) فمعناه: يعظمن رءوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس، حتى تشبه أسنمة الإبل البخت، هذا هو المشهور في تفسيره، قال المازري: ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن عنهم، ولا ينكسن رءوسهن، واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء، قال: وهي ضفر الغدائر وشدها إلى فوق، وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت، قال: وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رءوسهن، وجمع عقائصها هناك، وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس، كما يميل السنام، قال ابن دريد: يقال: ناقة ميلاء إذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها. والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلن الجنة» يتأول التأويلين السابقين في نظائره أحدهما: أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه، فتكون كافرة مخلدة في النار، لا تدخل الجنة أبدا.
والثاني: يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين. والله تعالى أعلم.
قلت: رحم الله النووي وغيره من العلماء السابقين فإنهم لو رأوا الكاسيات العاريات في هذا الزمان لن يختلفوا في معرفة معناه إذ أصبحت الموضة العارية التي تظهر العورات المخففة والمغلظة من مقطع وضيق وشفاف وقصير وضاغط هي لبسهن، وهذا ظاهر.

الصفحة 142