كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

والشعب أصيل والحاكم وكيل.
ومصدر الحكم هو الرسالة، ومصدر الحُكَّام هو الشعب.
وفرض على الجماعة القيام بالشرع، ولا يتم إلا بدولة، فالدولة فرض؛ لأنه لا يقوم إلا بها فإقامتها فرض كلي.
وهي نائبة عن الجماعة العامة، ومنها، مشاعاً، بالتراضي المشروط، وأجراء بمالها، وتصرفاتهم منوطة بمصلحتها.
أما أن الدولة نائبة عن الجماعة العامة، فيدل لذلك أن شرعية الولاية في الأصل لا تنعقد إلا بالبيعة من الأمة بآلية مناسبة متفق عليها تحقق معرفة الرضى الشعبي في اختيار السلطة.
وما كان في معنى الولاية مما دونها فبالتعيين ممن انعقدت له البيعة، أو الاختيار من الجماعة، ثم التعيين، وطاعة المتغلب ضرورة استثنائية حقنا للدماء ودفعا للمفاسد العامة.
وأما أن الحاكم (منها) فيدل له قوله تعالى (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59)، أي من أمة الإيمان؛ لأن الخطاب في صدر الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (النساء: 59).
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله الصحابة عن خلع الحاكم بالسيف: «لا، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان» (¬1).
فجعل الكفر مبطلا للولاية دواما، ففي الابتداء أولى.
وأما كون الولاية حقا «مشاعا»؛ فلأن حصر الولايات بالمناطقية والأسرية خلاف العدل، ومولد لمفاسد جمة عامة ودفعها واجب.
ولأن الشرع راعى الكفاءة والأمانة في نصوصه.
وأما حديث الإمامة في قريش (¬2) فخبر لا إنشاء، ولا يراد به الإنشاء، أي الأمر، بدليل عدم
¬_________
(¬1) - أخرجه البخاري، وقد تقدم.
(¬2) - قولنا «وأما حديث الإمامة في قريش» قلت: أخرجه البخاري برقم 3500 من حديث معاوية، قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين». وأخرجه الشيخان (البخاري 7140، مسلم 4807) من حديث ابن عمر بلفظ «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان».

الصفحة 148