كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

استدلال الصحابة به في خلاف السقيفة مع نقل القضية بالتواتر إلا في طريق فيها من لا يوثق بهم من الضعفاء، فتكون منكرة (¬1).
وأما أن الولاية بالتراضي العام: فلأن الحق للأمة، وإذا كان لها الحق فواجبٌ اعتبار رضى صاحب الحق، وهو الأمة، وهذا ما فعله الصحابة في قضية الخلفاء الأربعة إذ كانت بالتراضي والبيعة العامة، وسنتهم سُنَّةٌ مأمور باتباعها؛ ولأن بيعة المكره لا تنعقد فلا تنعقد الولاية؛ لأن الإكراه لا تنبني عليه آثار العقود وأحكامها.
وأما الاشتراط في عقد الولاية: فأصله أنه عقد، وكل شرط في العقد يُصْلِحْ العقد فهو جائز؛ ولذا شرط الصحابة على عثمان وعلي السير سيرة الشيخين.
أما أن الحكام أجراء فلأن الحاكم عامل في مصالح الشعب بعوض، وهذه هي الإجارة، ولأن الصحابة جعلوه كذلك في حق الإمام الأعظم فغيره أولى، إذ فرضوا للخلفاء والأمراء والحكام أجرة مقابل عملهم.
وقد قدر الصحابة الأجرة للخلفاء كأبي بكر وغيره مقابل تفرغه للحكم.
ولا طاعة في معصية، ولا في خلاف مصلحة عامة، وكيفية إنابتها لهم متروك بما يوافق المصلحة العامة.
وشكلها من رئاسي، أو وزاري، أو ملكي، أو غيره راجع إلى تقدير الجماعة لمصالحها.
والمصلحة العامة يقدرها أهلها من الأمة العامة، وأهل تقدير المصالح هم المستنبطون من أولي الأمر من العلماء والأمراء والخبراء وأهل الحل والعقد.
ولا يكون تقدير المصلحة العامة إلا بالشورى، فوجبت بالنص (¬2) والمعقول (¬3)، ووجب ما لا تقوم إلا به زمانا ومكانا من مجالس شورى أو نواب أو شعب.
ووسائل اختيارهم تدور على ما يخدم تمام المصلحة للأمة بانتخاب أو غيره.
¬_________
(¬1) - انظر فتح الباري (13/ 116).
(¬2) - قولنا «فوجبت بالنص»: هو قوله تعالى (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء: 83)، وقوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: 159)، وقوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38).
(¬3) - قولنا «والمعقول» فلأن تقدير تمام المصلحة العامة على وجهها لا يكون إلا بالشورى.

الصفحة 149