كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

والنص في الدستور في شروط الرئاسة والولاية على شرط الأبوين، ألا يكونا أجنبيين أو أحدهما، وكذا الزوجة: أمر مباح يلزم بالشرط الدستوري؛ لأن الإيفاء بالعقود واجب وهذا منصوص العقد، فلزم (¬1).
والأصل الشرعي ألا يعطى أحد حصانة من المساءلة بنص دستوري، سواء كان رئيسا أو له ولاية عامة قضائية أو برلمانية أو تنفيذية؛ لأن الله لم يستثن رسله وأنبياءه وأولياءه من أي حكم ديني محض (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر: 65)، أو تنفيذي «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (¬2)، فلا حصانة لملك أو أمير أو خليفة أو قاض أو نائب أو وزير، بل الكل أمام التكليف الشرعي والمسئولية متساوون مع سائر الناس.
وتعديل الدستور من الشعب بمباشرة حرة جائز وهو الأصل؛ لأنه عقد، ويجوز التوافق على تعديل شيء منه.
فإن انفرد به حاكم أو سلطة حَرُم، وبَطُل (¬3)، وهو تحريف في حقيقة التكييف لا تعديل؛ لأن العقد حق للطرفين: الشعب والحاكم.
والعقود لا تغير من طرف مشروط عليه، بل بتوافق طرفي العقد.
ولأن تصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة العامة، ولا مصلحة في تعديل العقد الممثل في الدستور إلا بتوافق العامة بمباشرة أو نيابة؛ لأنه بهذا يعلم ترتب المصلحة العامة.
والأصل ألا يلي ولاية عامة على المسلمين إلا مسلم عالم بقواطع الشرع مقيم لها؛ بالغ، عاقل، راشد، عدل، قوي، أمين، ومختار منهم؛ لأنه عقد قائم على التراضي.
¬_________
(¬1) - انظر ما تقدم في الفقه الوظيفي بتفصيل.
(¬2) - حديث «لو أن فاطمة سرقت .. » متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها (البخاري برقم 3475، ومسلم برقم 4505) أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها».
(¬3) - وبطل، أي التعديل لا الدستور.

الصفحة 151