كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

عليهم تحصَّل عن ذلك فتنة في الأرض وفساد كبير.
والمنافق، والخائن، والعميل، والفاسق، والفاسد لا ولاية عامة لهم؛ لأن ولايتهم تعود على أصل المقاصد الكبرى للشريعة، وأصل المقصد من الحكم بالبطلان، فبطُلَت.
وفي الصبي والمجنون، يجب تشكيل ما يدير الأمور، وفي السفيه كذلك.
ويشرع بالتوافق بين غاصب والأمة عمل ما تسير عليه المصالح حالا ومآلا من إعادة انتخاب، أو بيعة أو غير ذلك.
والخروج المسلح على الجماعة العامة محرم؛ لما فيه من الفرقة، وشق الصف، وإراقة الدماء والفتنة؛ لأن الفتنة العامة مفاسدها عامة.
وقولنا «على الجماعة العامة» يشمل خروج شرذمة مسلحة عليها، ويشمل خروج حاكم وشرذمة معه بالسلاح على السواد الأعظم للجماعة.
والأصل حرمة أخذ الحكم بالغصب عن إرادة الأمة كانقلاب مسلح؛ لأنه خيانة وغدر، ونقض لعقد الجماعة الممثل في الدستور المجمع عليه.
ومن حرم الخروج المسلح والانقلاب على الحاكم الظالم؛ إنما حرمه لأنه أمر بمعروف ونهي عن منكر باليد، وشرطه ألا يترتب عليه ما هو أنكر منه، ولا ينشأ عنه مفاسد أكبر.
والغالب حصول ذلك، والأحكام الشرعية قائمة على اعتبار الغالب.
وأما الحاكم العدل فالخروج المسلح عليه ظلم وعدوان فوق ما سبق، وهو ولو كان غاصبا للحكم إلا أن النظام مستتب، والمصالح العامة والأمن والاستقرار قائم، فمسألة انتخاب الأمة ورضاها له أمر إجرائي وسيلي يمكن الوصول إليه بالتوافق العام كما حصل من الصحابة في قضية التحكيم (¬1).
فإن لم يتم ذلك التوافق فهو واجب وسيلي موسع وقته حينئذ.
والواجبات المقاصدية أهم منه؛ فتقدم ويحافظ عليها.
والانتخاب بالبيعة وسيلة موسعة حينئذ.
¬_________
(¬1) - القصة ذكرها الحافظ في الفتح (12/ 284) وذكرها أهل التاريخ: الكامل لابن الأثير (2/ 76 فما بعدها)، وشذرات الذهب (1/ 46).

الصفحة 153