كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وإنما قلنا حينئذ؛ لأنه لا جدوى ولا مصلحة عاجلة منها الآن في حال وجود حاكم عادل راشد أقام المصالح ودرأ المفاسد ولكنه بغصب.
فالاختيار للحاكم من الشعب وسيلة وقتية، واستتباب المصالح العامة ودفع المفاسد مقصد فوري دائم؛ فتقدم المقاصد عند التعارض.
فالحل المصلحي هنا هو: الحفاظ على استتباب المصالح العامة ودفع مفاسدها؛ لأنها مقاصد، مع السعي التوافقي الحواري سلما على الوسائل، وهذا ما تقتضيه العقول الراجحة، وما عليه تقوم مصلحة الأمة، وما به جاءت دلالات النصوص.
ومن فهم النصوص على غير مرادها أخطأ.
والوصول إلى الولاية العامة لها طرق، استقصيناها في كتابنا هذا (¬1).
والشريعة تدل على أن شرعية الولاية العامة لا تتم إلا بالبيعة العامة من الشعب كما دلت عليها نصوص السنن قولية وفعلية وعمل الخلفاء، وعمل الأمة فيمن تولى بعد الخلافة، فلو كانت شرعية أحد ذاتية لما احتاج إلى بيعة الأمة.
وهذا مما لا خلاف فيه حتى عند من يقول بالنص لحكم نسبي معين، فإنه لا بد -عنده- من بيعة لاكتمال المشروعية.
وتسليم أو نقل السلطة من مستبد ظالم لشعبه إلى من يقيم العدل من الشعب هو منة ربانية لقوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5 - 6).
ولأن حكم الشعب من عموم الشعب باختيار حاكم بحرية حقيقية هو الأصل المرضي.
والوصول إلى الدولة وإقامتها، والتمكين لها هو وعد الله للأمة المؤمنة (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) (النور: 55).
¬_________
(¬1) - انظر «فقه السمع والطاعة والتغيير وآلياتها».

الصفحة 154