كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

فالتنافس من الأكفاء مشروع، وعرض المرشح الكفء على اختيار الأمة مشروع، وقيام لجنة بإدارة هذه العملية مشروع كما فعل عبدالرحمن بن عوف، واشتراط اللجنة لخطة سير وبرنامج عمل سياسي لمن يترشح للولاية نابع من اشتراط الأمة أمر مشروع، وهو ركن العقد.
وهذا ما رجح عثمان؛ لقبوله بشروط الشعب في السير وفق سياسة مدروسة مجربة سابقا؛ وأثبتت نجاحها على الواقع، وهي سنة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ويجوز أن يتنازل من انعقدت له البيعة للمصلحة العامة؛ كما فعل الحسن؛ وأقره الشرع الغيبي «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (¬1).
¬_________
= قال الحافظ في فتح الباري (13/ 198): وأخرج البغوي في معجمه وخيثمة في فضائل الصحابة بسند صحيح عن حارثة بن مضرب حججت مع عمر فكان الحادي يحدو أن الأمير بعده عثمان بن عفان قوله فقال أي عبدالرحمن مخاطبا لعثمان أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبدالرحمن في الكلام حذف تقديره فقال نعم فبايعه عبدالرحمن وأخرج الذهلي في الزهريات وابن عساكر في ترجمة عثمان من طريقه ثم من رواية عمران بن عبدالعزيز عن محمد بن عبدالعزيز بن عمر الزهري عن الزهري عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه قال كنت أعلم الناس بأمر الشورى لأني كنت رسول عبدالرحمن بن عوف فذكر القصة وفي آخره فقال هل أنت يا علي مبايعي ان وليتك هذا الأمر على سنة الله وسنة رسوله وسنة الماضين قبل قال لا ولكن على طاقتي فأعادها ثلاثا فقال عثمان أنا يا أبا محمد أبايعك على ذلك قالها ثلاثا فقام عبدالرحمن وأعتم ولبس السيف فدخل المسجد ثم رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أشار إلى عثمان فبايعه فعرفت أن خالي أشكل عليه أمرهما فأعطاه أحدهما وثيقة ومنعه الآخر إياها واستدل بهذه القصة الأخيرة على جواز تقليد المجتهد وأن عثمان وعبدالرحمن كانا يريان ذلك بخلاف علي وأجاب من منعه وهم الجمهور بأن المراد بالسيرة ما يتعلق بالعدل ونحوه لا التقليد في الأحكام الشرعية وإذا فرعنا على جواز تجزيء الاجتهاد احتمل أن يراد بالاقتداء بهما فيما لم يظهر للتابع فيه الاجتهاد فيعمل بقولهما للضرورة قال الطبري لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم فإن قيل كان بعض هؤلاء الستة أفضل من بعض وكان رأي عمر أن الأحق بالخلافة أرضاهم دينا وأنه لا تصح ولاية المفضول مع وجود الفاضل فالجواب أنه لو صرح بالأفضل منهم لكان قد نص على استخلافه وهو قصد أن لا يتقلد العهدة في ذلك فجعلها في ستة متقاربين في الفضل لأنه يتحقق أنهم لا يجتمعون على تولية المفضول ولا يألون المسلمين نصحا في النظر والشورى وأن المفضول منهم لا يتقدم على الفاضل ولا يتكلم في منزلة وغيره أحق بها منه وعلم رضا الأمة بمن رضي به الستة.
(¬1) - أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه برقم 2704 ولفظه عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول =

الصفحة 158