كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

ومن طلبه بوضعٍ واقعٍ فهو راجع إلى الأمة ورضاها؛ لأن الحق حقها.
فإن رضيت واستتبت المصالح العامة جاز.
ومن ولي ولاية حرم عليه تولية غيره لمجرد قرابة أو نسب؛ لأن الولاية على الكفاءة لا على القرابة، ومن فعل أثم وبطل أمره، لمخالفته الأمر المنصوص (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: 58).
والأمانات مفسرة في الحديث بالولايات (¬1)، فإن قدرت الأمة بمؤسساتها إبطالها، وجب ذلك.
فإن عجزت (¬2) بينت وأنكرت؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
فإن كان قريبه من أهل الكفاءة جاز أن يوليه وفقا للشروط الجارية عليه وعلى غيره بلا أثرة، وإن لم يوله فقد يكون من الأولى ذلك في بعض الأحوال؛ لأن المفاسد المترتبة على ذلك من سخط الناس وتذمرهم واقعة لا محالة بحسب الطبيعة البشرية.
وقد وجد الأنصار في أنفسهم حينما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض قريش من الغنائم ولم يعطهم وعقدوا جلسة لذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم (¬3).
¬_________
(¬1) - قولنا «مفسرة في الحديث .. » أخرجه البخاري برقم 59 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين -أراه- السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: فإذا ضُيِّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
(¬2) - والعجز هنا شامل للعجز الفردي، أو الجماعي، أو حتى عبر مؤسسات الدولة؛ لغلبة المولى ونفوذه، أو بحيث كان تغييره بوسائل القوة السلمية العليا وهي العصيان المدني والاعتصامات والثورات السلمية الشعبية يؤدي إلى مفاسد أكبر وأكثر، وتتخذ سلما لأهل الفتنة كما وقع مع عثمان فهذا محرم بل يكتفى حينئذ بالبيان والإنكار والاستمرار في ذلك، وإلا فلنتجاوز هذه النقطة خوفا على ما هو أكبر إلى أن يحين وقت التكليف التغييري العام.
أما القوة المسلحة لأجل هذا فمحرم قطعا، وهذا ما ينزل عليه قوله صلى الله عليه وسلم «سترون بعدي أثرة فاصبروا».
(¬3) - قولنا «وقد وجد الأنصار في أنفسهم .. » أخرجه البخاري برقم 3147 من حديث أنس أن ناسا من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المئة من الإبل فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس: فحدث رسول الله بمقالتهم. فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول =

الصفحة 161