كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

بحكم قضائي في سجن خاص خالص بالنساء تحفظ فيه الأعراض.
والصبي لا يجوز سجنه، لا بحكم قاض ولا غيره؛ لأن سجنه تضييع له غالبا وهو خلاف الأمر (قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) (البقرة: 220)، ولأن حفظه من حفظ النسل والنفس، وليس السجن حفظا بل يعارض الحفظ.
وعليه فالصبي إن جنى يُضَمَّن الإتلافات على عاقلته (¬1)، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الدولة، وتدفعه حينئذ إلى كافل عدل مسلم لتربيته وتأديبه، ويعطى عوض ذلك؛ لأنه إصلاح له (قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) (البقرة: 220).
وإذا وصلت قضية فيها حد إلى جهات الأمن، فإن كانت من حدود الأعراض من زنى وقذف ونحوها، فإنه ينبغي معالجتها في القسم بصلح أو نحوه إن أمكن؛ لأن ذلك أحفظ وأستر للأعراض، وهو أصل الشريعة ولذلك تدرأ الحدود بالشبهات، وفي النص «ألا تركوه» (¬2)، أي لما فر حال إقامة الحد عليه، ويترك في الحدود كلها إلا في القصاص والقذف، أو ما تعلق بحق آدمي.
ولأنها إن وصلت القضاء وجب فيها حكم شرعي حدا.
فإن كانت من جرائم الأموال كسرقة فللجهة الأمنية الصلح برد المال والإلزام بذلك دفعا لرفعها إلى القضاء (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (النساء: 128).
فإن وصلت قُطِعَ بشروطه، ولا يصلح التنازل في حد السرقة إلا إن كذَّب المدعي نفسه وشهوده، أو تراجع عن الإقرار، فيدفع الحد بالشبهة (¬3).
وكذلك يجوز الإصلاح في جرائم الدماء من قتل وجرح، فإن تعذر وجب رفعه إلى القضاء للنظر.
¬_________
(¬1) - انظر المغني لابن قدامة (7/ 673).
(¬2) - أصل الحديث في الصحيحين من حديث ماعز ورواية «ألا تركتموه» أخرجها أبو داود برقم 4422.
(¬3) - وعندي في جواز إسقاط القطع بالتنازل من صاحب الحق تردد، قياسا على التنازل في القصاص بالنفس، وهي أعظم من مجرد عضو، والتردد ناتج عن النص في الحديث بمنع التنازل إن رفع الأمر إلى القضاء، فإن لم يوجد له تأويل قوي يجمع المسألة بقينا على الأصل في القطع.

الصفحة 182