كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وجعل عنها ما يغني في المقتات المدخر من البقوليات والتمر والزيوت عند فقدها، وهي من قسم الحاجيات.
فقسم الحاجيات والضروريات يقوم بعضه بالتناوب مقام بعض، حكمة وآية للناس.
وجعل الفاكهة موسمية غير عامة لكل الناس ولا تغطي حاجاتهم؛ لأنها ليست من مرتبة الضروريات ولا الحاجيات.
وقد جمع الله في آية واحدة سائر أنواع الغذاء فقال (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ* وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) (الرحمن: 10 - 12).
فالفاكهة مكمل غذائي للحاجي والضروري وبديل غذائي لهما في الحال الطارئ بالنص (لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (الواقعة: 65)، أي تقتاتون على الفاكهة كوضع بديل طارئ لا دائم؛ لتعذره.
والنخل حاجي يقوم مقام كثير من الضروريات الغذائية، والحاجيات، والتحسينات؛ لخاصية فيه مع كونه صالحا للصناعات في المشروبات والتخللات وحرم تخميره.
والحب ذو العصف شامل للحبوب بأنواعها، وهي من ضروريات الوجود البشري، وشامل لضرورة الغذاء الحيواني، وهو العصف، أي: الورق والقصب.
وأما الريحان فهو كل الخضروات وما نبت على الأرض.
وكل ما تعلق بأصل الغذاء الضروري البشري والحيواني خص بأحكام مشددة.
فمنها تحريم الربا في هذه الأنواع «البر بالبر والشعير بالشعير والقمح بالقمح والتمر بالتمر والملح بالملح والزبيب بالزبيب» (¬1).
ولذا كان القياس عليها صعبا، وتفرق فيه الفقهاء على أكثر من أربعة عشر قولا.
والصحيح أنه لا قياس؛ لأن لهذه الأمور خاصية مستقلة لا يقوم غيرها مقامها.
ومن ألحق بها البقوليات المدخرة قيل بصوابه؛ لأنها من الحاجيات، وهي تنزل منزلة الضروريات.
¬_________
(¬1) - أخرجه البخاري برقم 2175، وبرقم 2134 من حديث عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء».

الصفحة 188